التخطي إلى المحتوى الرئيسي

هنا «صوت الشعب».. هنا حيفا وعكا

رشا حلوة

مجدداً، بات بإمكان الفتاة الفلسطينية، ابنة عكّا، أن تستمع إلى إذاعة «صوت الشعب» اللبنانية، عبر الإنترنت، على الرغم من أن الموقع الالكتروني الذي يؤمن بثها ليس موقع الإذاعة الرسميّ، إلا أنه موقعٌ جعل «صوت الشعب» متوفرة لمن يشتهي الاستماع إليها، في كلّ مكان.

قبل أن يصبح بثّ الإذاعة متوفراً عبر الانترنت، كانت الإمكانية الوحيدة المتاحة للاستماع إليها، في عكّا، هي بالعمل الدقيق على توجيه اللاقط الهوائي الخاص بجهاز الراديو بإتجاه الشمال. وفي أيام الشتاء، توجّب على الريح أن تتجه نحو الجنوب، كي ننجح بالاستماع إلى الإذاعة بوضوح. أما في أيام الصيف فكنا أكثر حظاً.. نلتقط البث وكأنه آت من بيت الجيران.

قبل دخولنا عالم الإنترنت، وما رافقه من سهولة الوصول إلى موسيقى الوطن العربي وأغانيه، كانت «صوت الشعب» هي الملجأ. كثيرون منا تعرّفوا إلى فرق وفنانين لبنانيين من خلال الإذاعة. كثيرون منا جلسوا ربما لساعات بإنتظار بث أغانيهم المفضلة، كأغنية نديم مُحسن مثلاً. وكثيرون انتظروا موعد بثّ مسرحيات زياد الرحباني، خاصة تلك التي تعذّر الحصول عليها، إن في شريط أو إسطوانة. كثيرون تعرّفوا إلى ميّ نصر، وتانيا صالح، ومكادي نحّاس، عبر مقابلات «صوت الشعب» معهن، واستمعوا لأغانيهن للمرة الأولى. كثيرون تأثروا عندما كانت تُبث أغان لفرق أو فنانين فلسطينيين، أمثال ريم بنّا و«صابرين». وكثيرون، أثّرت «صوت الشعب» بهم، وما زالت، وجلعتهم أقرب إلى لبنان. وكثيرون حفظوا تفاصيل بثها عن ظهر قلب، حتى إعلانات الإذاعة. وكثيرون، أرادوا أن يصبحوا مقدمي برامج إذاعية - «لما يكبروا» - وقد حقق كثيرون منهم ذاك الحلم.

وعلى الرغم من توفر الإذاعة الآن عبر الإنترنت، والفرحة التي حلّت علينا يوم اكتشفنا الموقع ووزعناه على الأصدقاء في فلسطين، ثارت شكوك عدة، لم يصدّق أصحابها أن «صوت الشعب» عملت - أخيراً - على توفير بثّ إلكتروني، خاصة بعدما كانوا يبحثون لسنوات عن أي رابط يوصلهم إلى بثّها.. وبعد ثبوت الرؤية، وتوفّر البث بسهولة ووضوح، بقيت في قلوب متابعي «صوت الشعب» المزمنين، ذكرى عاطفية وحميمية، ولدت يوم أمسكوا بـ«أنتين» راديو، وأحكموا توجيهه إلى حيث يشتهون، وبينما هم يفعلون ذلك، كانوا يشعرون بقرب أشدّ من بيروت.لا أذكر تماماً السنة التي بدأت أستمع فيها إلى «صوت الشعب»، ولا أذكر من دلّني عليها آنذاك، لكني أذكر أني كنت في المدرسة الثانوية. وأذكر بأني كنت أنفرد بالإستماع إليها، وأحياناً، أشارك أهلي بأغنية سمعتها للتوّ. أجلس إلى الكرسيّ أمام جهاز الراديو، أجهز فروضي المدرسية، وأستمع إلى برامجي المفضلة، وعلى رأسها «سهرية»، مساء كلّ يوم ثلاثاء.. كما كنت أنصت إلى الأخبار، أخبار لبنان وأخبار فلسطين، أو أخبار فلسطين بأصوات لبنانية.

مع الوقت، اكتشفت أن أصدقاء كثر يرتبطون بـ«صوت الشعب»، في ظلّ غياب الإذاعات الفلسطينية غير التجارية، أو حتى تلك التي تقدم مواد إذاعية وموسيقية ملتزمة وطنياً وفنياً، وتعطي مساحة للموسيقى البديلة، إنّ صح التعبير، والشبابية أيضاً. أحكي عن أصدقاء هم الآن في آواخر العشرينات من العمر، وبداية الثلاثينات.. لأن أهالينا، والجيل الذي يكبرنا قليلاً، كانوا مرتبطين بعلاقة إذاعية مع موجات الـ «إي. إم»، بطبيعة الحال، وإذاعتيّ «الشرق الأوسط» و«كلّ العرب» المصريتين، بشكل خاص.عندما بدأت دراستي الجامعية في حيفا، وذهبت للعيش فيها، اكتشفت أن بثّ «صوت الشعب» هناك أفضل بكثير منه في عكّا. كان التقاط موجة 104 «إف إم» متاح، وبوضوح.. ويعود ذلك إلى موقع حيفا الجغرافي، كونها تقع على جبل الكرمل العالي، وكأنها تقع مقابل بيروت تماماً، كأنها امتداد لها.

كان بإمكاننا الاستماع إليها بمجرد البحث عن الموجة، في السيارة، هكذا بسهولة، كما في أثناء استراحات الحصص في الجامعة، عبر راديو الهاتف الخلوي. وفي ليالي الثلاثاء، بقينا نجتمع مع الأصدقاء، في بيت أحدنا، لقضاء «سهرية» مع الزميلة فاتن حموي وضيوفها، والاتصالات، والموسيقى.. جميعنا أحببنا فاتن، حتى أن أحد الأصدقاء أحبّها بشدّة!

كنّا مستمعي البرنامج الدائمين، وربما أكثر المستمعين إخلاصاً، لكننا كنا الوحيدين الذين لم يتمكنوا من التواصل مع البرنامج هاتفياً.. فالاتصالات مقطوعة بين حيفا وبيروت.


عن صحيفة "السفير"

تعليقات

  1. على فكرة ممكن الاتصال بلبنان من حيفا وعكا وما في مانع تلفوني حاولي ذلك انا زبطت معي:)

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عن "البحر بيضحك ليه؟" ومراحل الحياة..

عكّا، بعدسة: نادر هواري أغنية "البحر بيضحك ليه"، من كلمات الشّاعر نجيب سرور، ألحان وغناء الشّيخ إمام عيسى، هي الأغنية الملائمة لكلّ مراحل الحياة. لا يهم المرحلة إنّ كانت سعيدة أو حزينة، فيها أمل أو خيبة، قلق أو راحة، كلما سمعتها تشعر بأنها تُغنى لك. تحكي معك.. الأغنية لا علاقة لها لمن يعرف البحر أو لا يعرفه، سواء كان البحر قريبًا أو وبعيدًا.. هي قادرة أن تحمل لك مشاهد بصريّة مختلفة كلما سمعتها، تحمل معها وجوهًا عديدة وذكريات.. وكأنك كلما تسمعها تشعر بأن الزّمن توقف. لا يتحرك. كأن حالتك المرافقة لها حين سمعتها قبل 5 أعوام، مع ناس أو من غيرهم، تشبه حالتك حين تعيد سماعها اليوم، لوحدك أو مع آخرين.. والأجمل، بأنك تدرك تمامًا بأن حالتك هي، المرافقة لسماع الأغنية، تمامًا كما الملايين من عشاق الأغنية ذاتها. هي أغنية الطبطبة على الروح.. وحاملة المقولة الوجوديّة الأبديّة: ولسّه جوا القلب أمل.

أحد أطفال "كفرون"؛ يزن أتاسي: "نحنا ما منشبه بعض"

حاورته: رشا حلوة كان ذلك في العام 1990، حين قال له والده: "بدنا نروح مشوار"، لم يخبره إلى أين، "كنت رفيق أبي كتير وأنا وصغير، بروح معه على الشغل، وقالي رايحين مشوار، وبشكل طبيعي ركبنا بالسيارة، وصلنا على مكان قريب من مدرستي وفتنا على بناية، بكتشف بعد ما فتت إننا وصلنا على مكتب دريد لحّام"، يقول الفنان السوري يزن أتاسي في حوار خاص لمجلة "الحياة"، أجريناه عبر السكايب. ويزن أتاسي (1980) هو أيضاً "وسيم"، أحد الأطفال الذين مثلوا أدوار البطولة في فيلم "كفرون" لدريد لحّام، الذي سيتمحور معظم حديثنا عن تجربته فيه، التجربة الشخصية والفنّية لطفل في فيلم سوري، قبل 24 عاماً، كان لها أحد التأثيرات الكبرى على جيل كامل عاش طفولة التسعينيات. " هنالك معرفة بين دريد وأبي"، يقول يزن، "بس أنا انسطلت، لأنه أول مرة بحياتي بشوفه وجهاً لوجه، هني بحكوا وأنا مسحور لأني قاعد قدام غوار الطوشة!". بعدها خرجا من المكان، لا يذكر يزن الحديث الذي دار بين والده ودريد لحّام، ويعتقد أيضاً أنه كان قد قابل أخته نور أتاسي قبله، وهكذا وقع القرا

ريم بنّا.. التهليلة الفلسطينية الباقية

(رشا حلوة ) أذكر أني سمعت الفنانة الفلسطينية ريم بنّا لأول مرةٍ حين كان ربيعي يلامس العشرة أعوام، لا أعلم كيف وصل كاسيت "الحلم" إليّ، أو ربما لا أذكر. كان الوقت صيفًا في عكا، في غرفتي المطلة على البحر. أذكر بأني ناديت على أمي لتشاركني سماع الكاسيت، فسمعنا سويةً "يا ليل ما أطولك" وبكتْ أمي حين أخذتها التهليلة إلى كل الحنين الذي حملته معها منذ أن هُجّر أبوها من قريته الجليلية حتى ساعة انتظار العودة، التي طالت. ترتبط ريم بنّا في روحنا وذائقتنا بالتهليلة الفلسطينية والمورث الشعبي الفلسطيني. فهي أول من أعادت غناء وإحياء التهليلة الفلسطينية واحترفتها حتى يومنا هذا، بما في ذلك ضمن ألبومها الأخير "مواسم البنفسج- أغاني حُب من فلسطين"، والذي يحتوي على تهليلة "أمسى المسا"، المرفوعة إلى اللاجئين الفلسطينيين. بدأت ريم تهتم بالغناء التراثي الفلسطيني حين كانت لا تزال في المدرسة، يوم طُلب منها أن تحفظ أغاني تراثية لمهرجان تراثي في مدرستها، ونصحتها والدتها الشاعرة زهيرة صبّاغ أن تغني التهليلة الفلسطينية التي لم يغنّها أحد بعد. شعرتْ وقتئذٍ أن التهاليل تلائم صوتها