التخطي إلى المحتوى الرئيسي

وصية في مونولوغ




رشا حلوة


فجأة، تشعرين أن الموت خيّم فوق هذه السماء. بالرغم من أنه لم يتركها يوماً ما.
لا الموت فقط، لكن "هداك المرض" أيضاً، كما يسمونه. وصديقي يطلق على برجه أيضاً إسم "هداك البرج". يعني السرطان، ودائماً حين يصل الموت بأسبابه العديدة. أسأل نفسي كلّ مرة من جديد: "أنا لشو بتفاجئ يعني؟" وتعود قيمة الحياة من جديد، لأكم يوم بس.

مش مهم.. لكن منذ فترة، قررت أن أكتب وصيتي.

على فكرة، لا أقصد من هذه الوصية أن أكون متشائمة. يعني الموت هو أمر طبيعي. أو هكذا أعتقد. ولأنه طبيعي فأنا أكتب عنه. وحسبما جدتي، أو جدتَك أو جدتِك تقول: "ما حدا بعرف بكرا شو بصير معه!".
قبل أشهر قليلة عدت من القاهرة. وبعدما عدت بيومين فقدت صديقاً عزيزاً. ذهب إلى مكان بعيد. مكان لا أحد يعرفه، ويجهله كلّ من يقرأ هذه الأسطر الآن.. بتأمل!

لن أطيل الحديث عليكم. لكن لدي بعض الأسئلة المتعلقة بالموت وطقوسه. يعني، عندما أذهب غداً إلى المكان البعيد. الذي لا يعرفه أحد، من الطبيعي أن تقام جنازتي في عكّا- لا بيت لي سواها- هكذا يقول لي أبي. وبالتأكيد سوف أدفن فيها. صحّ؟

لكن، تقتلني فكرة أن أموت ولا زال الاحتلال قاعد على قلبي! كيف سيصل أصدقائي وصديقاتي من رام الله والقاهرة ودمشق وبيروت وعمان وتونس والمغرب وصنعاء وبغداد وطرابلس لوداعي الأخير؟

يعني، هل برأيكم ممكن أن تكون وصيتي بإصدار تصاريح لأصدقائي في رام الله حتى يأتون لوداعي في التابوت؟ ياه ما أبشع الفكرة: إصدار تصاريح من الاحتلال حتى يروني وأنا ميتة! لكن، لربما ستكون هذه هي فرصتهم أن يزوروا عكّا وبالمقابل يأتوا لوداعي..

لكن ماذا عن أحبائي في القاهرة وبيروت وعمان؟

يعني، هل ممكن.. مثلاً.. مثلاً.. أن تكون وصيتي بحرق جثتي وإرسال القليل من الرماد إلى أصدقائي هُناك؟ وتنظيم أمسية موسيقية وأدبية بدلاً عن الجنازة التقليدية؟ طيب، هل ممكن أن تكون جنازتي عبر "الفيديو كونفرنس"؟ أو حتى "السكايب"؟ ماله السكايب؟ على الأقل مجاني. هكذا يكون بث مباشر لجنازتي من عكّا إلى بيروت والقاهرة وعمان وتونس ورام الله وغزة!

أو لشو كلّ هالتعقيد؟ ممكن أن تكون وصيتي أن يحملوا تابوتي إليهم؟ أعتقد أن تصريح عبور لشخص ميت سوف يكون أسهل. والأهم، إنه لا يحتاج إلى فيزا. هكذا سيكون بمقدوري أن أرى بيروت. مين بعرف؟ ممكن أكون قادرة أشوفها وقتها.

تعليقات

  1. نص جميل رغم رائحة الخوف من الرحيل الحاضرة فيه ,أقول " الرحيل " عوض " الموت " عبور من حياة إلى حالة وجود أخرى في هذا الكون ,,علاقتي بالموت صارت مفزعة منذ فقدت أبي بعد إصابته بنوبة قلبية ,,لكني عشقت الحياة أكثر بعد رحيله مع تغير في الرؤى,,كل رحيل يدعونا إلى التفكير فيه مثلما حدث برحيل صديقك ..لا تفكري كثيرا في الوصية فكري فقط بالاستمتاع بنشيد الحياة حنى آخر نوتة ,,سنلتقي أحياء هذا وعد يا رشا ,,وأطال الله عمرك في السعادة عزيزتي

    ردحذف
  2. صديقتي الجميلة وجد، سنلتقي أحياء.. هذا وعد. سنلتقي أينما نشاء، في عكّا أو تونس. رحمة الله على والدك. كلّ الحبّ

    ردحذف
  3. شكرا رشا على روعة هذه الكلمات التي عبرت عن جزء بسيط مما نعانيه في غزة والضفة وأراضينا المحتلة ، لمستني جرحنا في كل مكان نتواجد فيه فحتى ونحن في الشتات نعاني نفس المعاناة.
    أيتها الجميلة لا تستعجلي الرحيل ولا تفكري فيه كثيرا فحين ترحل أجسادنا ستكون بصماتنا باقية وسيبقى صوتك يتررد مع كل موجة تدك سور عكا

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أحد أطفال "كفرون"؛ يزن أتاسي: "نحنا ما منشبه بعض"

حاورته: رشا حلوة كان ذلك في العام 1990، حين قال له والده: "بدنا نروح مشوار"، لم يخبره إلى أين، "كنت رفيق أبي كتير وأنا وصغير، بروح معه على الشغل، وقالي رايحين مشوار، وبشكل طبيعي ركبنا بالسيارة، وصلنا على مكان قريب من مدرستي وفتنا على بناية، بكتشف بعد ما فتت إننا وصلنا على مكتب دريد لحّام"، يقول الفنان السوري يزن أتاسي في حوار خاص لمجلة "الحياة"، أجريناه عبر السكايب. ويزن أتاسي (1980) هو أيضاً "وسيم"، أحد الأطفال الذين مثلوا أدوار البطولة في فيلم "كفرون" لدريد لحّام، الذي سيتمحور معظم حديثنا عن تجربته فيه، التجربة الشخصية والفنّية لطفل في فيلم سوري، قبل 24 عاماً، كان لها أحد التأثيرات الكبرى على جيل كامل عاش طفولة التسعينيات. " هنالك معرفة بين دريد وأبي"، يقول يزن، "بس أنا انسطلت، لأنه أول مرة بحياتي بشوفه وجهاً لوجه، هني بحكوا وأنا مسحور لأني قاعد قدام غوار الطوشة!". بعدها خرجا من المكان، لا يذكر يزن الحديث الذي دار بين والده ودريد لحّام، ويعتقد أيضاً أنه كان قد قابل أخته نور أتاسي قبله، وهكذا وقع القرا

عن "البحر بيضحك ليه؟" ومراحل الحياة..

عكّا، بعدسة: نادر هواري أغنية "البحر بيضحك ليه"، من كلمات الشّاعر نجيب سرور، ألحان وغناء الشّيخ إمام عيسى، هي الأغنية الملائمة لكلّ مراحل الحياة. لا يهم المرحلة إنّ كانت سعيدة أو حزينة، فيها أمل أو خيبة، قلق أو راحة، كلما سمعتها تشعر بأنها تُغنى لك. تحكي معك.. الأغنية لا علاقة لها لمن يعرف البحر أو لا يعرفه، سواء كان البحر قريبًا أو وبعيدًا.. هي قادرة أن تحمل لك مشاهد بصريّة مختلفة كلما سمعتها، تحمل معها وجوهًا عديدة وذكريات.. وكأنك كلما تسمعها تشعر بأن الزّمن توقف. لا يتحرك. كأن حالتك المرافقة لها حين سمعتها قبل 5 أعوام، مع ناس أو من غيرهم، تشبه حالتك حين تعيد سماعها اليوم، لوحدك أو مع آخرين.. والأجمل، بأنك تدرك تمامًا بأن حالتك هي، المرافقة لسماع الأغنية، تمامًا كما الملايين من عشاق الأغنية ذاتها. هي أغنية الطبطبة على الروح.. وحاملة المقولة الوجوديّة الأبديّة: ولسّه جوا القلب أمل.

اللهجات الفلسطينية

عندي سؤال مهم - أو حسب رأيي مهم - مين المسؤول عن ترسيخ فكرة إنه في فلسطين في بس لهجة عامية وحدة؟ وإنه نسي يقول بأنه لكلّ مدينة وقرية فلسطينية في لهجة إلها خاصة فيها؟ وإنه لما حدا من شفاعمرو بقول كلمة واحدة منعرف كلنا إنه من شفاعمرو؟ مما يدل على خصوصية لهجة أحل شفاعمرو يعني :) يعني مثلاً، مثلاً، لكلمة "رصاصات"- رصاصات القلم يعني - في عَ الأقل 4 مفردات باللهجة الفلسطينية؛ فُطع، زبانات، بريات، قُزع. (شكراً أسماء عزايزة عَ المساعدة  :) ). عشان هيك، ملاحظات أخيرة عن الموضوع: - لما أي حدا بقرأ نص/ قصة قصيرة/ رواية لكاتب/ة فلسطيني/ ة فيه كلمات/ جمل بالعامية، يعرف الكاتب/ ة من وين عشان يعرف من أي بلد هاللهجة. - يا ريت اللي بدو يعمل مسلسل عن فلسطين والقضية الفلسطينية يعمل دراسة عن اللهجات وينوّع. فلسطين ليست فقط الأراضي المحتلة عام 1967. - يلعن سايكس بيكو والاستعمار وسنينه كلّها. - عيب إنه الفلسطيني ما يعرف إنه في تنوّع لهجات. وإنه اللي خلقان في شمال فلسطين المحتلة، ويبتعد 15 كم عن جنوب لبنان، أكيد لهجته رح تكون قريبة من لهجة جنوب لبنان أكثر من جنوب فلسطين. - لن ننس