عمّان | في عمان، على سطح صالة «دار الأندى» في جبل اللويبدة، حيث تمثّل بيوت عمان القديمة خلفية للمنصة، اختتم الشاعر والزميل نجوان درويش، سلسلة أمسياته الشعرية المخصصة لذكرى النكبة. رافقته على البيانو العازفة زينة عصفور، بحضور أشخاص جاؤوا لسماع قصائد الشاعر الآتي من القدس المحتلة، بعد أمسية في رام الله في قاعة «الفريندز»، وأمسية في «غاليري الاتحاد» في غزة قدمها عبر «السكايب» من بيته في القدس المحتلة. قصائد نثر حديثة متعدِّدة المرجعيات، شدَّت الجمهور طوال ساعة. رغم كونها قصائد مركبة، نجحت في خلق جوّ تفاعلي مع الجمهور الواسع الذي كان يُسمع تصفيقه في ليل عمان مع انتهاء كلّ قصيدة، في تفاعل لم نألفه بين الجمهور وقصيدة النثر.
جاءت أمسيات درويش ضمن فعاليات إحياء الذكرى الثالثة والستين للنكبة التي نظّمتها مجموعة «جذور للشباب» بين رام الله وغزة وعمان. كانت غالبية الحاضرين من الشباب، لا من مومياوات الوسط الثقافي، كما هو مألوف في الأمسيات الشعرية. خلال الأمسيات الثلاث، قدّم درويش قصائده الجديدة، حيث نرى فلسطين وتفاصيل الحياة والمقاومة في مواجهة الاحتلال، والقدس وغزة وحيفا، «مَرَحُ يديّ الإله في الطين». بلدان عربيّة أخرى حاضرة في القصائد. حكى عن سوريا من خلال سليمان الحلبي الذي اغتال قائد «الحملة الفرنسية» على مصر عام 1800: «نتذكّر يدك ونحن نسمع عن هؤلاء المُساقين لمصافحة قاتليهم... وبينما كانوا يقطعون يدك كانت الشّمس فوق سوريا تقول لك: اثبت يا ولدي». ومصر التقيناها في قصيدة إلى سيد درويش: «كانت مِصْر مرفوعةً على الرّماح مثل مُصْحفٍ وأَنا مشدوه بأُغنيتك». وقصيدة أخرى أهداها إلى عُمال المياومة المصريين في الأردن: «أكنتُ طوال حياتي سوى عامل مياومة ينتظر؟ نَفَسي أقصر من هذه السيجارة التي تحترق في يدك/ مع ذلك سأنتظر/ قلبي مطفأ أكثر من شمس الظهيرة/ ومع ذلك سأنتظر». وسمعنا الجزائر في قصيدة إلى معطوب الوناس المغني الجزائري الأمازيغي: «المتوسِّطُ عن يميني ولا أعرف أية عُرَبٍ صوتيةٍ تَدفع مركبتي/ ولا أعود أُفكِّر/ إلا بفردوسكِ الدامي أيتها الجزائر السَّراب. أَنفاسي المخنوقة أيضاً، ضد هؤلاء وهؤلاء. أتظنهم حقاً يميّزون بين هضبات «تيزي أُوزو» وسهول «حوران»؟».
الإسكندرية وعمان وبيروت والناصرة والأهواز، صبرا وشاتيلا وبنت جبيل. النسيج الحضاري للمنطقة، العرب والأكراد والأمازيغ، تتجاور وتتجادل جميعها. نجوان درويش، مثال حيّ على هذا الجيل الجديد من الشعراء والفنانين والمثقفين الفلسطينيين، الذين ليسوا بعيدين عن الهمّ الجماعي وعن قضيتهم الإنسانية الأولى فلسطين. وأنّ خيارهم هذا لا يحد من إمكانات الشعر.
تعليقات
إرسال تعليق