التخطي إلى المحتوى الرئيسي

حين تُرسم فلسطين بالعيون: 29 فناناً وفنانة يجولون في الأرض المحتّلة

تراصّ/ ميساء عزايزة/ دبورية، حيفا

رشا حلوة

هو المكان، هاجس الفلسطينيّ أينما كان. هو شرعيّته بأن يراه كما يحلو له، يرسم تفاصيل بيته المُبعد عنه، حارته الصغيرة، أولاد الجيران المزعجين، الطريق من البيت إلى «بلاطة الهوى» وليالي أصدقائه المتعبين. هو المكان، الذي يعيد رسمه في خياله، وكلّ ما يتمناه هو أن يكون هذا المكان كباقي أمكنة البشر، لا احتلال يسكنه ولا جدار فيه يحجب المدينة عن البحر.

بادرت مجلة «فلسطين الشباب» الشهرية بالتعاون مع «المجلس الثقافي البريطاني» بتقديم دعوة للفنانين الفلسطينيين الشباب من كافة أنحاء العالم للمشاركة في معرض «فلسطين في عيون الفنانين الشباب»، لرسم صورة المدن والأمكنة الفلسطينية في مخيلة وذهن كلّ واحد منهم، كيف يراها وما هي الصورة الذهنية التي من الممكن أن تتجسد كعمل فني.

عدة أسباب كانت تقف وراء فكرة هذا المعرض، أهمها استحضار المكان الفلسطيني حسب ما يراه الفنان وتراه عيونه، التي امتلأت صورا مستوحاة من القصص التي سمعها، أو رآها عبر شاشة التلفاز أو حتى الصور التي أُرسلت له عبر البريد الالكتروني من صديق يسكن حيفا.

أما السبب الثاني، فهو التطبيق الفعلي لفكرة مجلة «فلسطين الشباب» والتي بناءً عليها تأسست المجلة: محاولة لكسر الواقع السياسي الذي يعيشه الفلسطينيون أينما تواجدوا اليوم، الواقع الذي فرضه الاحتلال، إن كان هذا الكسر من خلال جمع لوحات لـ 29 فنانًا وفنانة من مختلف أنحاء فلسطين (48 و67) والشتات، أو من خلال حقيقة أن المعرض سوف يتجول في العديد من المناطق الفلسطينية ويدخل للمناطق المحتلة عام 1948.

سيتجول المعرض في المناطق الفلسطينية المهمشة أيضاً ولن تقتصر مشاركته فقط على مدينة رام الله، التي تشهد مؤخراً نشاطاً لافتاً وتعد مركزاً ثقافياً وفنياً مهماً. فقد افتتح المعرض في جامعة بير زيت، محطته الأولى، ليتجول في ما بعد في كلٍ من نابلس، جنين، الخليل، بيت لحم، أريحا والقدس، ومن ثم يصل المعرض إلى حيفا ثم الناصرة، بما يمثل ذلك من صرخة إضافية بوجه المُحتل؛ إنها فلسطين. وبالمقابل، صرخة أخرى بوجه كلّ من حاول ويحاول تهميش فلسطينيي الداخل وإبعادهم عن المشهد الثقافي الفلسطيني بشكل خاص، والعربي بشكلٍ عام، سواء أكان مقصوداً أم لا.

ميساء عزايزة، 25 عاما، من قرية دبورية في الجليل ومقيمة في حيفا، قررت المشاركة في المعرض لعدة أسباب، منها أن المعرض يُشكل مساحة واسعة لاستثمار الطاقات الفنية الفلسطينية الشبابية، وهو بالنسبة لها منصة. «الأهم من هذا هو عنوان المعرض وهدفه خاصة لما يعني لي كفلسطينية من الداخل، حيث إمكانيات العرض والمشاركات الفنية محدودة جدًا، لأنها على الغالب تتناقض بشكل مباشر مع مبادئي ووجهة نظري كفلسطينية».

وحول أهمية المعرض، تضيف عزايزة: «تكمن أهمية المعرض في التواصل والتشبيك ما بين الفنانين الشباب من المناطق المختلفة جغرافيًا في فلسطين والشتات، فبالرغم من الاختلاف في وجهات النظر حول كيفية رؤية المكان الفلسطيني إلا أنه في نهاية الأمر قدم كلّ الفنانين صورة عن المكان الفلسطيني ذاته، بغض النظر عن موقع الفنان الجغرافي الذي فُرض عليه من قبل الاحتلال».

لحيفا وللناصرة موعد مع «فلسطين في عيون الفنانين الشباب»، وفي جولتها للسنة الحالية ستنجح اللوحات بالوصول إلى كافة أنحاء فلسطين، ما عدا مدينة غزّة المحاصرة، هذه المدينة التي تصل إليها مجلة «فلسطين الشباب» بصعوبة متكررة كل شهر. إلا أن لغزّة، المدينة التي لا تملك غير البحر واجهة للتنفس اليومي، حضورا في صور المدن وشبابها الفنانين.

شريف سرحان، 33 عاماً، من غزّة. شارك بعددٍ من اللوحات التي عكست المشهد اليومي للقطاع أثناء الحرب، هذا المشهد الذي غيّر لون السماء الزرقاء والغيوم البيضاء إلى اللون الأسود المليء بالطائرات الحربية.. والغربان التي تحتل السماء.

يقول سرحان: «المشاركة في المعرض هي فرصة جيدة لنقل المشهد اليومي لغزة أثناء الحرب، نقل هذه المشاهد من خلال الفن، لا من خلال الصور أو القصص التي نسمعها يوميًا في الأخبار، إلا أنها بالطبع تحمل ذات المضمون».

لم يستطع شريف سرحان، كغيره من الفنانين الفلسطينيين المشاركين حضور الافتتاح، ولن يتمكن من الحضور إلى أي محطة للمعرض أينما تواجد. «هذا المعرض هو أحد المعارض التي أشارك بها خارج غزة، لم ولن أستطيع حضوره بسبب الحصار، وهذا ما يحزنني ويؤثر على نفسيتي ونفسية الكثير من الفنانين، خاصة أنني لن أتمكن من سماع تعليقات الناس على الأعمال بشكل مباشر، أو أن أتعرف إليهم أو حتى إلى زملائي المشاركين في المعرض وجها لوجه»، يقول سرحان.

افتتح معرض «فلسطين في عيون الفنانين الشباب» يوم 15 شباط 2010 في جامعة بيرزيت، ليحتضن 29 قصة عن فلسطين لتسعة وعشرين فنانًا من مختلف أنحاء فلسطين والشتات: إبراهيم جوابرة، أمل كعوش، إياد صباح، إيمان أبو عرة، باسل مقوسي، بشار حروب، جمال البحري، حازم حرب، دينا مطر، رائد عيسى، رانية عقل، ربى حمدان، رفيدة سحويل، رقية خميس، شادي الحريم، شريف سرحان، محمد أبو سل، محمد أبو نصر، محمد الحواجري، محمد الضابوس، محمد شقديح، محمد مسلم، منذر جوابرة، مها الداية، ميساء عزايزة، نبيلة طومان، نصر جوابرة، نضال أبو عون ونورس شلهوب.

ستتنقل اللوحات ما بين 11 منطقة فلسطينية، تحمل معها ذاكرة أيادي صانعيها، أمنيتهم أن يكونوا مكانها في رحلتهم في فلسطين والإثبات بأن كلّ الفنانين نجحوا في رسم المكان الفلسطيني، رغم ما حجبه الاحتلال عن عيونهم.

(عكا)

نُشر المقال في صحيفة "السفير"، ملحق الشباب

24 شباط 2010

http://www.assafir.com/WeeklyArticle.aspx?EditionId=1470&WeeklyArticleId=65295&ChannelId=8609&Author=رشا-حلوة

تعليقات

  1. عجبتني لوحة شريف سرحان :)
    كان ودي أكون هناك :)

    شكراً رشا.

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عن "البحر بيضحك ليه؟" ومراحل الحياة..

عكّا، بعدسة: نادر هواري أغنية "البحر بيضحك ليه"، من كلمات الشّاعر نجيب سرور، ألحان وغناء الشّيخ إمام عيسى، هي الأغنية الملائمة لكلّ مراحل الحياة. لا يهم المرحلة إنّ كانت سعيدة أو حزينة، فيها أمل أو خيبة، قلق أو راحة، كلما سمعتها تشعر بأنها تُغنى لك. تحكي معك.. الأغنية لا علاقة لها لمن يعرف البحر أو لا يعرفه، سواء كان البحر قريبًا أو وبعيدًا.. هي قادرة أن تحمل لك مشاهد بصريّة مختلفة كلما سمعتها، تحمل معها وجوهًا عديدة وذكريات.. وكأنك كلما تسمعها تشعر بأن الزّمن توقف. لا يتحرك. كأن حالتك المرافقة لها حين سمعتها قبل 5 أعوام، مع ناس أو من غيرهم، تشبه حالتك حين تعيد سماعها اليوم، لوحدك أو مع آخرين.. والأجمل، بأنك تدرك تمامًا بأن حالتك هي، المرافقة لسماع الأغنية، تمامًا كما الملايين من عشاق الأغنية ذاتها. هي أغنية الطبطبة على الروح.. وحاملة المقولة الوجوديّة الأبديّة: ولسّه جوا القلب أمل.

أحد أطفال "كفرون"؛ يزن أتاسي: "نحنا ما منشبه بعض"

حاورته: رشا حلوة كان ذلك في العام 1990، حين قال له والده: "بدنا نروح مشوار"، لم يخبره إلى أين، "كنت رفيق أبي كتير وأنا وصغير، بروح معه على الشغل، وقالي رايحين مشوار، وبشكل طبيعي ركبنا بالسيارة، وصلنا على مكان قريب من مدرستي وفتنا على بناية، بكتشف بعد ما فتت إننا وصلنا على مكتب دريد لحّام"، يقول الفنان السوري يزن أتاسي في حوار خاص لمجلة "الحياة"، أجريناه عبر السكايب. ويزن أتاسي (1980) هو أيضاً "وسيم"، أحد الأطفال الذين مثلوا أدوار البطولة في فيلم "كفرون" لدريد لحّام، الذي سيتمحور معظم حديثنا عن تجربته فيه، التجربة الشخصية والفنّية لطفل في فيلم سوري، قبل 24 عاماً، كان لها أحد التأثيرات الكبرى على جيل كامل عاش طفولة التسعينيات. " هنالك معرفة بين دريد وأبي"، يقول يزن، "بس أنا انسطلت، لأنه أول مرة بحياتي بشوفه وجهاً لوجه، هني بحكوا وأنا مسحور لأني قاعد قدام غوار الطوشة!". بعدها خرجا من المكان، لا يذكر يزن الحديث الذي دار بين والده ودريد لحّام، ويعتقد أيضاً أنه كان قد قابل أخته نور أتاسي قبله، وهكذا وقع القرا

ريم بنّا.. التهليلة الفلسطينية الباقية

(رشا حلوة ) أذكر أني سمعت الفنانة الفلسطينية ريم بنّا لأول مرةٍ حين كان ربيعي يلامس العشرة أعوام، لا أعلم كيف وصل كاسيت "الحلم" إليّ، أو ربما لا أذكر. كان الوقت صيفًا في عكا، في غرفتي المطلة على البحر. أذكر بأني ناديت على أمي لتشاركني سماع الكاسيت، فسمعنا سويةً "يا ليل ما أطولك" وبكتْ أمي حين أخذتها التهليلة إلى كل الحنين الذي حملته معها منذ أن هُجّر أبوها من قريته الجليلية حتى ساعة انتظار العودة، التي طالت. ترتبط ريم بنّا في روحنا وذائقتنا بالتهليلة الفلسطينية والمورث الشعبي الفلسطيني. فهي أول من أعادت غناء وإحياء التهليلة الفلسطينية واحترفتها حتى يومنا هذا، بما في ذلك ضمن ألبومها الأخير "مواسم البنفسج- أغاني حُب من فلسطين"، والذي يحتوي على تهليلة "أمسى المسا"، المرفوعة إلى اللاجئين الفلسطينيين. بدأت ريم تهتم بالغناء التراثي الفلسطيني حين كانت لا تزال في المدرسة، يوم طُلب منها أن تحفظ أغاني تراثية لمهرجان تراثي في مدرستها، ونصحتها والدتها الشاعرة زهيرة صبّاغ أن تغني التهليلة الفلسطينية التي لم يغنّها أحد بعد. شعرتْ وقتئذٍ أن التهاليل تلائم صوتها