التخطي إلى المحتوى الرئيسي

ريمي بندلي: "من يريد أن يغنّي للأطفال، من غير المفروض أن يغنّي لغيرهم"




حاورتها: رشا حلوة
يتفق كثيرون اليوم على أن جيل الثمانينات والتسعينات محظوظ إلى حدّ ما، لربما الثمانينات أكثر، وذلك لأسباب عديدة يصبّ جزء كبير منها في التلقي الفنّي والثقافي، أضف إلى أنه الجيل الذي عاش فترة ما قبل وما بعد عصر الإنترنت وألعاب الفيديو، وأنه أيضاً من عاش فترة عمق وقيمة أغاني الأطفال، التي كُتبت ولحنت خصيصاً لأطفال العالم العربي، وكانت قد قدمت جزءاً كبيراً منها، الطفلة اللبنانية ريمي بندلي.

تعيش أغاني ريمي بندلي للأطفال حتى يومنا هذا، غنّت من لبنان إلى لبنان وللعالم العربي كلّه، عن ما يعيشه الطفل اللبناني والعربي، عن تفاصيل حياته، عن الوالدين والبيت، عن البلد وفي ظلّ الحروب التي تقتل الطفولة كلّ يوم.. هذه الأغاني، التي احترمت عقل الطفل وروحه ولغته أولاً، لهذا انتشرت ووصلت إلى قلوب الملايين، ولهذا لا زالت حيّة في جيل كاملٍ من الذين كانوا أطفالاً يومها، واليوم يتحسرون على غياب أغاني الأطفال التي كان لها يوماً ما دوراً في بلورة كيانهم وحبّهم لطفولتهم، رغم الألم.

 وُلدت ريمي بندلي في الرابع من تمّوز/ يوليو 1979 في طرابلس لبنان، لأسرة موسيقية، أظهرت في سنّ مبكرة موهبة فنّية خاصة، حيث سجلت أول أغنية لها بعنوان "إيماني أحلى إيمان" وعمرها ثلاث سنوات ونصف. غنّت في لبنان والأردن وسوريا والكويت وفرنسا وقطر وكندا وأمريكا، وكانت أشهر أغانيها، والتي لا زالت الأشهر، أغنية "أعطونا الطفولة"، وقام بتمثيل دور بطولة في فيلم "أماني تحت قوس قزح" عام 1985. استمرت ريمي بندلي بالغناء بعد أن انتقلت مع عائلتها في عام 1989 إلى كندا، وبقيت هناك مدة سبع سنوات، وتوقفت عن الغناء عام 1993.

 تبلغ ريمي بندلي اليوم 35 عاماً، وهي متزوجة منذ عام 2008، وتعيش في ستوكهولم بالسويد. من خلال هذا الحوار الخاص مع موقع "الحياة"، تحدثنا مع ريمي بندلي عن أقرب أغنية إلى قلبها من أغانيها، عن الأغنية التي لا زالت حيّة بمضمون كلماتها حتى يومنا هذا، عن المغنيين والمغنيات التي استمعت إليهم وهي طفلة، وعن رأيها بأزمة أغاني الأطفال اليوم.

"أعطونا الطفولة، مطلب لم يتحقق منذ 30 عاما"
تشعر ريمي بندلي بأن كلّ الأغاني التي غنّتها حين كانت صغيرة، هي بمثابة أغانٍ قريبة من قلبها، وأضافت: "وكلّ أغنية من هذه الأغاني، أغنيها وأدندنها في وقتها، ولكن ما من أغنية واحدة".

إلا أن هنالك أغنية واحدة تشعر بأنها، وعلى الرغم من مرور الزمن، لا زالت تلائم بمضمونها الأيام التي نعيشها اليوم في العالم العربي، وعن هذا تضيف:" أكيد، وبلا شك، هي أغنية "أعطونا الطفولة"، هنالك بلاد كثيرة تعيش حروباً، لا علاقة للأطفال بها، والذين تختفي طفولتهم جراء ذلك، كما في أيامي أنا، حين اختفت طفولة أطفال بلدي لبنان. هنالك أغانٍ أخرى تلائم ما نعيشه اليوم أيضاً، مثل أغنية "ردولي بيتي" و"طفوا النار"، كل أغنية منها تعبر عن وجع الحرب."

"بندلي، أم كلثوم وديانا روس"
 استمع جيل كامل في سنوات الثمانين، حين كان طفلاً، إلى أغاني ريمي بندلي، أضف إلى فنانين آخرين غنّوا للأطفال، لكن يبقى السؤال، إلى من استمعت ريمي بندلي حين كانت طفلة؟ كانت إجابتها الأولى: "إلى أغاني عماتي في فرقة "بندلي"."، وأضافت: "بالإضافة إلى أغاني قديمة لمحمد عبد الوهاب، عبد الحليم وأم كلثوم. وكذلك إلى شانتال غويا، وأحببت ديانا روس ومايكل جاكسون كثيراً." (تبتسم). وتابعت: "هؤلاء ترعرعت على أغانيهم وأنا صغيرة، ومن ثم استمعت إلى سيلين ديون وماريا كاري، كلّ هؤلاء عملياً سمعتهم ما بين العامين وحتى الثالثة عشر من عمري."

  "من يريد أن يغنّي للأطفال، من غير المفروض أن يغنّي لغيرهم"
من الواضح أننا نعيش أزمة كتابة وتلحين وإنتاج أغاني أطفال، وذلك ضمن أزمات فنّية وموسيقية عديدة تعيشها المنطقة العربية عموماً. ومن الواضح أيضاً، بأننا نعيش الحاجة إلى أغنية أطفال تحكي تماماً أحلامهم ومخاوفهم، التي تزداد يوماً بعد يوم في ظلّ الخراب الذي يجتاح العالم، هذا الخراب الذي بإمكان أغنية أن تحمي الأطفال منه، ولوّ لمدة 4 دقائق.

حول أزمة أغاني الأطفال، قالت ريمي بندلي: " للأسف، حاول الكثير غناء أغاني الأطفال، لكني أعتقد بأن من يريد أن يغني للأطفال، من غير المفروض أن يغني لغيرهم، هذه الاستمرارية هي أهم ما يمكن. من الضروري أن يكون للأطفال أغاني خاصة بهم، أغاني تنمي شخصيتهم وآفاقهم الموسيقية والتعبيرية. وكذلك تنمي خيالهم. من الضروري أن يكون فنانون يغنون للأطفال، ولهم فقط، كي يمثلوهم في أفراحهم وأحزانهم وخوفهم. ولكي لا يضطر أن يكبر الطفل قبل عمره، وعندها ستختفي طفولته من دون أن يعرف أهمية هذه الفترة من العُمر."


وتابعت: "الفنان الذي يريد أن يغني للأطفال فقط، يجب عليه أيضاً أن يجد الكلمة واللحن الملائمين للأطفال من الناحية التربوية أيضاً. الغناء للأطفال هو أصعب شيء، لأن الطفل يتأثر ويتعلم ويحفظ بسرعة، لهذا ضروري أن نعرف ما هي الرسالة التي نريد أن نمررها من خلال الأغنية."


أجري الحوار لموقع "الحياة" في الناصرة عام 2014.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عن "البحر بيضحك ليه؟" ومراحل الحياة..

عكّا، بعدسة: نادر هواري أغنية "البحر بيضحك ليه"، من كلمات الشّاعر نجيب سرور، ألحان وغناء الشّيخ إمام عيسى، هي الأغنية الملائمة لكلّ مراحل الحياة. لا يهم المرحلة إنّ كانت سعيدة أو حزينة، فيها أمل أو خيبة، قلق أو راحة، كلما سمعتها تشعر بأنها تُغنى لك. تحكي معك.. الأغنية لا علاقة لها لمن يعرف البحر أو لا يعرفه، سواء كان البحر قريبًا أو وبعيدًا.. هي قادرة أن تحمل لك مشاهد بصريّة مختلفة كلما سمعتها، تحمل معها وجوهًا عديدة وذكريات.. وكأنك كلما تسمعها تشعر بأن الزّمن توقف. لا يتحرك. كأن حالتك المرافقة لها حين سمعتها قبل 5 أعوام، مع ناس أو من غيرهم، تشبه حالتك حين تعيد سماعها اليوم، لوحدك أو مع آخرين.. والأجمل، بأنك تدرك تمامًا بأن حالتك هي، المرافقة لسماع الأغنية، تمامًا كما الملايين من عشاق الأغنية ذاتها. هي أغنية الطبطبة على الروح.. وحاملة المقولة الوجوديّة الأبديّة: ولسّه جوا القلب أمل.

أحد أطفال "كفرون"؛ يزن أتاسي: "نحنا ما منشبه بعض"

حاورته: رشا حلوة كان ذلك في العام 1990، حين قال له والده: "بدنا نروح مشوار"، لم يخبره إلى أين، "كنت رفيق أبي كتير وأنا وصغير، بروح معه على الشغل، وقالي رايحين مشوار، وبشكل طبيعي ركبنا بالسيارة، وصلنا على مكان قريب من مدرستي وفتنا على بناية، بكتشف بعد ما فتت إننا وصلنا على مكتب دريد لحّام"، يقول الفنان السوري يزن أتاسي في حوار خاص لمجلة "الحياة"، أجريناه عبر السكايب. ويزن أتاسي (1980) هو أيضاً "وسيم"، أحد الأطفال الذين مثلوا أدوار البطولة في فيلم "كفرون" لدريد لحّام، الذي سيتمحور معظم حديثنا عن تجربته فيه، التجربة الشخصية والفنّية لطفل في فيلم سوري، قبل 24 عاماً، كان لها أحد التأثيرات الكبرى على جيل كامل عاش طفولة التسعينيات. " هنالك معرفة بين دريد وأبي"، يقول يزن، "بس أنا انسطلت، لأنه أول مرة بحياتي بشوفه وجهاً لوجه، هني بحكوا وأنا مسحور لأني قاعد قدام غوار الطوشة!". بعدها خرجا من المكان، لا يذكر يزن الحديث الذي دار بين والده ودريد لحّام، ويعتقد أيضاً أنه كان قد قابل أخته نور أتاسي قبله، وهكذا وقع القرا

ريم بنّا.. التهليلة الفلسطينية الباقية

(رشا حلوة ) أذكر أني سمعت الفنانة الفلسطينية ريم بنّا لأول مرةٍ حين كان ربيعي يلامس العشرة أعوام، لا أعلم كيف وصل كاسيت "الحلم" إليّ، أو ربما لا أذكر. كان الوقت صيفًا في عكا، في غرفتي المطلة على البحر. أذكر بأني ناديت على أمي لتشاركني سماع الكاسيت، فسمعنا سويةً "يا ليل ما أطولك" وبكتْ أمي حين أخذتها التهليلة إلى كل الحنين الذي حملته معها منذ أن هُجّر أبوها من قريته الجليلية حتى ساعة انتظار العودة، التي طالت. ترتبط ريم بنّا في روحنا وذائقتنا بالتهليلة الفلسطينية والمورث الشعبي الفلسطيني. فهي أول من أعادت غناء وإحياء التهليلة الفلسطينية واحترفتها حتى يومنا هذا، بما في ذلك ضمن ألبومها الأخير "مواسم البنفسج- أغاني حُب من فلسطين"، والذي يحتوي على تهليلة "أمسى المسا"، المرفوعة إلى اللاجئين الفلسطينيين. بدأت ريم تهتم بالغناء التراثي الفلسطيني حين كانت لا تزال في المدرسة، يوم طُلب منها أن تحفظ أغاني تراثية لمهرجان تراثي في مدرستها، ونصحتها والدتها الشاعرة زهيرة صبّاغ أن تغني التهليلة الفلسطينية التي لم يغنّها أحد بعد. شعرتْ وقتئذٍ أن التهاليل تلائم صوتها