التخطي إلى المحتوى الرئيسي

عمر سعد: عن الحرية نتحدث..



رشا حلوة

عرفت عائلة زهر الدين سعد (قرية المغار، الجليل المحتل) من خلال عملي على مدار عامين كمنسقة علاقات عامة وتنسيق إعلامي في مؤسسة ومعهد "بيت الموسيقى" في مدينة شفاعمرو، عرفت ثلاثة أبناء وإبنة (عمر، مصطفى، غاندي وطيبة) كلّ منهم يعزف على آلة وترية ما؛ فيولا، كمان وتشيلو. وعرفت والدهم زهر الدين سعد.. وعرفت بأني لو سيصبح لي أبناءً يوماً ما أريدهم أن يكونوا مثل أبنائه؛ وكأني بمشاهدتي وإستماعي إليهم وكلّ هذا الإلتزام تجاه الموسيقى جعلني أرغب بأن أحضر أطفال إلى هذا العالم كي يتعلموا الموسيقى.

يأتي كلّ من عمر ومصطفى وغاندي وطيبة إلى "بيت الموسيقى" من قريتهم المغار، يحضرهم والدهم إلى دروس العزف المنفرد والجماعي (بحيث تم تأسيس فرقة لهم تحمل الإسم "رباعية الجليل") وذلك مرة أو مرتين في الأسبوع، وإذا كانت هنالك مناسبة خاصة، يكرسون كلّ وقتهم للتدريب الموسيقي. حين كنت أذهب إلى "بيت الموسيقى" في أيام الجمعة، كانوا يأتون بعد دوام المدرسة وبزيّ المدرسة الرسمي، وفور وصولهم يدخلون إلى المطبخ ومعهم علبة تحتوي على طبيخ والدتهم منتهى، وعادة ما تحتوي العلبة على "ورق عنب". وبعد الغذاء، يذهب كلّ منهم إلى عالمه الموسيقي.

من خلال الأحاديث المستمرة التي كانت مع الوالد أو مع الأولاد جميعهم، لم نحكي سوى عن الموسيقى وعن الجوائز التي حصدوها في "مسابقة فلسطين الوطنية للموسيقى" وعن "أوركسترا فلسطين للشباب" التابعة لمعهد إدوارد سعيد الوطني  وعن تدريبات عزف الموسيقى الغربية في "بيت الموسيقى".. وعن المغار.. وعن فلسطين.. وعن ذهابهم إلى رام الله للتدرب مع الأوركسترا وإلتقاء الأصدقاء.. وعن كيف يعودون أربعتهم إلى البيت، باحثين عن قطعة موسيقية شرقية يتدربون عليها وحدهم، يوزع أحدهم الأدوار اللازمة على عمر ومصطفى وغاندي وطيبة، وفي حفلة طلابية كانت أو غير طلابية، تصعد "رباعية الجليل" وتقدم مقطوعة "عزيزة" لمحمد عبد الوهاب بكلّ جمالية ممكنة.. وأحياناً، لو حالفنا الحظ، يختار الأبناء أغنية ما كي تغنيها أختهم الصغيرة طيبة والتي ورثت صوتها الجميل عن والدتها منتهى.


خلال الأسبوع الماضي، أصدر عمر سعد، الإبن البكر لعائلة زهر الدين سعد، رسالة عبر صفحته الخاصة في الفيسبوك[1]، وسرعان ما انتشرت الرسالة عبر الفيسبوك ومواقع التواصل الإجتماعي والمواقع الإخبارية في فلسطين. الرسالة هي عبارة عن ردّ الشاب الموسيقي عمر سعد إبن قرية المغار في الجليل المحتل عن رفضه للخدمة العسكرية في جيش الإحتلال، وذلك بعد أن وصله طلب مثول في "مكاتب التجنيد" يوم 31 تشرين الأول/ أكتوبر 2012 لإجراء "فحوصات حسب قانون التجنيد الإجباري المفروض على الطائفة الدرزية منذ العام 1956"[2].

حين قرأت الرسالة من خلال صفحة عمر، لم أتفاجأ. لأن من يعرفه ويعرف البيت الذي ينشأ فيه وهذه العلاقة الطبيعية مع فلسطين والموسيقى والحرية، يعرف أن هذه الرسالة كانت قادمة ضمن سيرورة نهج الحياة الطبيعي والمستمر لعائلة زهر الدين سعد وأولاده. وأن المعركة لن تنتهي هُنا :"أنا موسيقي أعزف على آلة "الفيولا"، عزفت في عدة أماكن، لديّ أصدقاء موسيقيون من رام الله، أريحا، القدس، الخليل، نابلس، جنين، شفاعمرو، عيلبون، روما، أثينا، عمان، بيروت، دمشق، أوسلو، وجميعنا نعزف للحرية، للإنسانية وللسلام، سلاحنا الموسيقى ولن يكون لنا سلاح آخر"، يكتب عمر زهر الدين سعد في رسالته.

تحية إلى عمر، وإلى كلّ الشباب العربي أبناء الطائفة الدرزية في الداخل الفلسطيني الرافض للخدمة العسكرية في جيش الإحتلال.

من اليسار: عمر، زهر الدين (الوالد)، طيبة، مصطفى وغاندي. 



روابط ذات صلة؛
صفحة دعم عمر سعد، عبر موقع الفيسبوك:
راضي شحادة: في المغار عيلة زهر الدين سعد...عيلة عال العال


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عن "البحر بيضحك ليه؟" ومراحل الحياة..

عكّا، بعدسة: نادر هواري أغنية "البحر بيضحك ليه"، من كلمات الشّاعر نجيب سرور، ألحان وغناء الشّيخ إمام عيسى، هي الأغنية الملائمة لكلّ مراحل الحياة. لا يهم المرحلة إنّ كانت سعيدة أو حزينة، فيها أمل أو خيبة، قلق أو راحة، كلما سمعتها تشعر بأنها تُغنى لك. تحكي معك.. الأغنية لا علاقة لها لمن يعرف البحر أو لا يعرفه، سواء كان البحر قريبًا أو وبعيدًا.. هي قادرة أن تحمل لك مشاهد بصريّة مختلفة كلما سمعتها، تحمل معها وجوهًا عديدة وذكريات.. وكأنك كلما تسمعها تشعر بأن الزّمن توقف. لا يتحرك. كأن حالتك المرافقة لها حين سمعتها قبل 5 أعوام، مع ناس أو من غيرهم، تشبه حالتك حين تعيد سماعها اليوم، لوحدك أو مع آخرين.. والأجمل، بأنك تدرك تمامًا بأن حالتك هي، المرافقة لسماع الأغنية، تمامًا كما الملايين من عشاق الأغنية ذاتها. هي أغنية الطبطبة على الروح.. وحاملة المقولة الوجوديّة الأبديّة: ولسّه جوا القلب أمل.

أحد أطفال "كفرون"؛ يزن أتاسي: "نحنا ما منشبه بعض"

حاورته: رشا حلوة كان ذلك في العام 1990، حين قال له والده: "بدنا نروح مشوار"، لم يخبره إلى أين، "كنت رفيق أبي كتير وأنا وصغير، بروح معه على الشغل، وقالي رايحين مشوار، وبشكل طبيعي ركبنا بالسيارة، وصلنا على مكان قريب من مدرستي وفتنا على بناية، بكتشف بعد ما فتت إننا وصلنا على مكتب دريد لحّام"، يقول الفنان السوري يزن أتاسي في حوار خاص لمجلة "الحياة"، أجريناه عبر السكايب. ويزن أتاسي (1980) هو أيضاً "وسيم"، أحد الأطفال الذين مثلوا أدوار البطولة في فيلم "كفرون" لدريد لحّام، الذي سيتمحور معظم حديثنا عن تجربته فيه، التجربة الشخصية والفنّية لطفل في فيلم سوري، قبل 24 عاماً، كان لها أحد التأثيرات الكبرى على جيل كامل عاش طفولة التسعينيات. " هنالك معرفة بين دريد وأبي"، يقول يزن، "بس أنا انسطلت، لأنه أول مرة بحياتي بشوفه وجهاً لوجه، هني بحكوا وأنا مسحور لأني قاعد قدام غوار الطوشة!". بعدها خرجا من المكان، لا يذكر يزن الحديث الذي دار بين والده ودريد لحّام، ويعتقد أيضاً أنه كان قد قابل أخته نور أتاسي قبله، وهكذا وقع القرا

ريم بنّا.. التهليلة الفلسطينية الباقية

(رشا حلوة ) أذكر أني سمعت الفنانة الفلسطينية ريم بنّا لأول مرةٍ حين كان ربيعي يلامس العشرة أعوام، لا أعلم كيف وصل كاسيت "الحلم" إليّ، أو ربما لا أذكر. كان الوقت صيفًا في عكا، في غرفتي المطلة على البحر. أذكر بأني ناديت على أمي لتشاركني سماع الكاسيت، فسمعنا سويةً "يا ليل ما أطولك" وبكتْ أمي حين أخذتها التهليلة إلى كل الحنين الذي حملته معها منذ أن هُجّر أبوها من قريته الجليلية حتى ساعة انتظار العودة، التي طالت. ترتبط ريم بنّا في روحنا وذائقتنا بالتهليلة الفلسطينية والمورث الشعبي الفلسطيني. فهي أول من أعادت غناء وإحياء التهليلة الفلسطينية واحترفتها حتى يومنا هذا، بما في ذلك ضمن ألبومها الأخير "مواسم البنفسج- أغاني حُب من فلسطين"، والذي يحتوي على تهليلة "أمسى المسا"، المرفوعة إلى اللاجئين الفلسطينيين. بدأت ريم تهتم بالغناء التراثي الفلسطيني حين كانت لا تزال في المدرسة، يوم طُلب منها أن تحفظ أغاني تراثية لمهرجان تراثي في مدرستها، ونصحتها والدتها الشاعرة زهيرة صبّاغ أن تغني التهليلة الفلسطينية التي لم يغنّها أحد بعد. شعرتْ وقتئذٍ أن التهاليل تلائم صوتها