التخطي إلى المحتوى الرئيسي

سرّ العالم



رشا حلوة
دوماً تأخذ "فكرة البيت" حيزاً من حياتي. فكرة البيت، لا البيت فقط. عندما يسألني أحدهم عن حلمي، تبتعد فجأة الأحلام الكبيرة. ويأتي الحلم الصغير إلى إجابتي السريعة: كوخ صغير في مكان بعيد، له شبابيك حمراء. وفي الداخل، في غرفة الجلوس تحديداً- سيكون على حائط ما رفوف تحتوي جميع الكتب التي جمعتها على مدار السنين. وعلى الحائط الثاني سأضع رفوفاً للإسطوانات الموسيقية، مفضل أن تكون إسطوانات قديمة وغرامافون. أما عن باقي الغرفة، فسأخطط لها لاحقا.ً

في إحدى ليالي "فرانكفوت"، عام 2008، كنا نجلس أنا وأسماء في المطبخ. هذا المكان الذي أستوعب كافة الفعاليات اليومية؛ الصباحية والمسائية منها. لم يكن في البيت الألماني المتواضع غرفة للجلوس. كانت هنالك غرفتين؛ غرفة لي وغرفة لأسماء. وغرفة استخدمناها كالمخزن، مطبخ صغير وحمام أصغر. في المطبخ تواجدت طاولة لونها بُني.. وكان موقعي ثابت؛ أنا أجلس بجانب الشباك الذي يطلّ على حديقة عمي خليل، وهو فلسطيني يعيش في ألمانيا وقمنا بإستئجار البيت من عنده. وفي الطرف الآخر من الطاولة تجلس أسماء. في تلك الليلة كنا نتحدث عن البيوت. سألتها: سوما، في كم بيتي عشتي؟ ووصلت كلّ منا إلى 10 بيوت تقريباً.

منذ عام 2008 ولغاية يومنا هذا، يزداد عدد البيوت. هنالك بيوت عشت فيها أيام وشهور حتى سنة كاملة، وهنالك بيوت عشت فيها 7 أيام مثلاً، لكن لا يمكن وصفها إلا بالبيت. ما هو البيت إذاً؟ هنالك بيتين في ألمانيا، وبيت في عمان، وبيتان في القاهرة، لا بل ثلاثة بيوت! وبيت في الإسكندرية قضيت فيه 4 أيام فقط. البيوت، هو ذاك الفضاء الذي يستوعبكِ وحدكِ وآخرين براحة طفلة تنام بحضن أمّها بعد أن غابت عنها ساعات عديدة في العمل. وتهلهل لها لتنام.

أعيش اليوم في رام الله. على مدار عام كامل عشت في بيتين في هذه المدينة. لا زالت "فكرة البيت" تجتاحني. هنالك دائماً حالة حب- كراهية مع البيوت. أحبّ البيوت التي أعيشها، من جهة هنالك بيوت تفرض عليّ حبّها وهنالك بيوت أتعلم حبّها كلّ مرة من جديد. أما الكراهية، فهي حالة مزمنة. لأن هنالك أجزاءً مني لا يمكن لها أن تزور هذا البيت أو ذاك. لأنها ببساطة، مُنعت من زيارة هذا البلد.

ستبقى البيوت مؤقتة. أو ربما إذا غيرت تعاملي تجاهها من الممكن أن تبقى أبدية. أبدية؟ ما هو الشيء الأبدي في هذا العالم؟ والدي يقول أن البيت الوحيد هو عكّا. وأنا أعتقد ذلك أيضاً. لا بيت لي سواها. ولكن ماذا أسمي كلّ تلك المساحات التي عشت فيها؟ ماذا أسمي المقعد العمومي في حديقة لمدينة غريبة شعرت وأنا أجلس عليه لمدة 30 دقيقة بأنه بيت؟
لا يهم. سيأتي اليوم الذي يكون لي بيتان. الأول والأبدي هو عكّا. والثاني هو الكوخ ذو الشبابيك الحمراء والكتب والغرامافون. إلى ذلك الحين، فلتحيا البيوت كلّها!


تعليقات

  1. أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أحد أطفال "كفرون"؛ يزن أتاسي: "نحنا ما منشبه بعض"

حاورته: رشا حلوة كان ذلك في العام 1990، حين قال له والده: "بدنا نروح مشوار"، لم يخبره إلى أين، "كنت رفيق أبي كتير وأنا وصغير، بروح معه على الشغل، وقالي رايحين مشوار، وبشكل طبيعي ركبنا بالسيارة، وصلنا على مكان قريب من مدرستي وفتنا على بناية، بكتشف بعد ما فتت إننا وصلنا على مكتب دريد لحّام"، يقول الفنان السوري يزن أتاسي في حوار خاص لمجلة "الحياة"، أجريناه عبر السكايب. ويزن أتاسي (1980) هو أيضاً "وسيم"، أحد الأطفال الذين مثلوا أدوار البطولة في فيلم "كفرون" لدريد لحّام، الذي سيتمحور معظم حديثنا عن تجربته فيه، التجربة الشخصية والفنّية لطفل في فيلم سوري، قبل 24 عاماً، كان لها أحد التأثيرات الكبرى على جيل كامل عاش طفولة التسعينيات. " هنالك معرفة بين دريد وأبي"، يقول يزن، "بس أنا انسطلت، لأنه أول مرة بحياتي بشوفه وجهاً لوجه، هني بحكوا وأنا مسحور لأني قاعد قدام غوار الطوشة!". بعدها خرجا من المكان، لا يذكر يزن الحديث الذي دار بين والده ودريد لحّام، ويعتقد أيضاً أنه كان قد قابل أخته نور أتاسي قبله، وهكذا وقع القرا

عن "البحر بيضحك ليه؟" ومراحل الحياة..

عكّا، بعدسة: نادر هواري أغنية "البحر بيضحك ليه"، من كلمات الشّاعر نجيب سرور، ألحان وغناء الشّيخ إمام عيسى، هي الأغنية الملائمة لكلّ مراحل الحياة. لا يهم المرحلة إنّ كانت سعيدة أو حزينة، فيها أمل أو خيبة، قلق أو راحة، كلما سمعتها تشعر بأنها تُغنى لك. تحكي معك.. الأغنية لا علاقة لها لمن يعرف البحر أو لا يعرفه، سواء كان البحر قريبًا أو وبعيدًا.. هي قادرة أن تحمل لك مشاهد بصريّة مختلفة كلما سمعتها، تحمل معها وجوهًا عديدة وذكريات.. وكأنك كلما تسمعها تشعر بأن الزّمن توقف. لا يتحرك. كأن حالتك المرافقة لها حين سمعتها قبل 5 أعوام، مع ناس أو من غيرهم، تشبه حالتك حين تعيد سماعها اليوم، لوحدك أو مع آخرين.. والأجمل، بأنك تدرك تمامًا بأن حالتك هي، المرافقة لسماع الأغنية، تمامًا كما الملايين من عشاق الأغنية ذاتها. هي أغنية الطبطبة على الروح.. وحاملة المقولة الوجوديّة الأبديّة: ولسّه جوا القلب أمل.

اللهجات الفلسطينية

عندي سؤال مهم - أو حسب رأيي مهم - مين المسؤول عن ترسيخ فكرة إنه في فلسطين في بس لهجة عامية وحدة؟ وإنه نسي يقول بأنه لكلّ مدينة وقرية فلسطينية في لهجة إلها خاصة فيها؟ وإنه لما حدا من شفاعمرو بقول كلمة واحدة منعرف كلنا إنه من شفاعمرو؟ مما يدل على خصوصية لهجة أحل شفاعمرو يعني :) يعني مثلاً، مثلاً، لكلمة "رصاصات"- رصاصات القلم يعني - في عَ الأقل 4 مفردات باللهجة الفلسطينية؛ فُطع، زبانات، بريات، قُزع. (شكراً أسماء عزايزة عَ المساعدة  :) ). عشان هيك، ملاحظات أخيرة عن الموضوع: - لما أي حدا بقرأ نص/ قصة قصيرة/ رواية لكاتب/ة فلسطيني/ ة فيه كلمات/ جمل بالعامية، يعرف الكاتب/ ة من وين عشان يعرف من أي بلد هاللهجة. - يا ريت اللي بدو يعمل مسلسل عن فلسطين والقضية الفلسطينية يعمل دراسة عن اللهجات وينوّع. فلسطين ليست فقط الأراضي المحتلة عام 1967. - يلعن سايكس بيكو والاستعمار وسنينه كلّها. - عيب إنه الفلسطيني ما يعرف إنه في تنوّع لهجات. وإنه اللي خلقان في شمال فلسطين المحتلة، ويبتعد 15 كم عن جنوب لبنان، أكيد لهجته رح تكون قريبة من لهجة جنوب لبنان أكثر من جنوب فلسطين. - لن ننس