التخطي إلى المحتوى الرئيسي

إنفلونزا السعادة

رشا حلوة

منذ فترة لم أكتب نصاً- لا مادة صحافية- فور إستيقاظي. صباح اليوم تذكرتُ باريس. لا لأن الجوّ تغيّر في فلسطين سريعاً وبشكل غير متوقع من صيف إلى شتاء. لا لأني قضيت أجمل ثمانية أيام في باريس وأنا مع إنفلونزا قاسية. بل لأني إستيقظت لأكتب. ففي تلك المدينة الجميلة خصصت ساعة للكتابة عند كلّ صباح.

لاحظت هذا الصباح أيضاً أن نصوصي يسكنها لمسة حزن ما. لا بل حزينة أحياناً. فقررت الآن أن أكتب نصاً غير حزين. سأكتب اليوم عن حفلة عيد ميلاد مي. في السابع من نوفمبر صادف عيد ميلاد صديقتي مي. مي هي مخرجة أفلام وثائقية. وفي عيدها هذا أصبحت في الثلاثين من عمرها. بالرغم من وجودها المرح في الحياة، إلا أن يوم عيدها كانت حزينة بعض الشيء. أوبس! وعدت نفسي أن لا أكتب عن الحزن.

لنعود مرة أخرى. بالرغم من وجودها المرح في الحياة، إلا أن في يوم عيدها عاشت لحظات من التأمل بالسنوات التي مرت. هيك منيح صح؟

قررنا نحن صديقاتها ومي أن يكون الاحتفال الأول بعبورها جسر الثلاثين في سهرة نسائية فقط – سهرة صبايا-. صحيح، مثل هذه السهرات تثير فضول الجنس الآخر عادة. لذا نقوم بها نحن النساء. ولكي يكن لنا متسع وساعات من الضحك والبكاء. هل قلت كلمة حزينة؟

لن أتحدث عن تفاصيل هذه السهرة. فهي وجدت كي لا يتم الحديث عنها خارج إطار المجموعة فيما بعد. حتى لو كانت معهن صديقة تحب تدوين هذه القصص. أو صحافية. أو ترغب الآن في أن تكتب نصاً سعيداً. سأبوح بأمرٍ واحد فقط؛ هذه السهرة لم تكن حزينة.

أرادت مي أن يكون لها إحتفالاً ثانياً لعيد ميلادها. هذا الاحتفال عادة يتواجد فيه كافة الأصدقاء المقربين. صحيح، فيه رجال أيضاً. بما أني أشارك مي البيت. فقبل أن تبدأ الحفلة بثلاث ساعات قمنا بحملة تنظيف – من قاع الدست- وتزيين للبيت وترتيب وإضاءة 47 شمعة ملونة ووضع السجاد وتحضير قائمة الموسيقى والأكل والمشروبات بكافة أنواعها وأهم شيء إحضار التبولة.

بالرغم من أن الدعوة كانت عند الساعة الثامنة والنصف مساءً. إلا أن الجميع وصل عند الساعة العاشرة مساءً، أي في فلسطين أيضاً هنالك اتفاق على مواعيد التأخير. صديقتي خلود، هي من الناصرة وتعيش في القدس كانت أول من وصل الحفلة. حين دخلت ورأت بيتنا أنا ومي، قالت بأن البيت يشبه بيوت بيروت. ملحوظة مهمة: خلود لم تزر يوماً بيروت ولم ترى بيوت بيروت. ولكني أصدقها.

في مثل هذه الحفلات، لا يكون متسع للتفكير بأي شيء. إلا في الشخص الذي يعجبك في الحفلة. وترغبين أن يأتي ليرقص معك. أو أن تذهبي إنتِ لترقصي معه. لكن عادة، هذه حفلات تخصص للفرح. وحين يصل منسوب الكحول إلى درجة "البوح"، عندها يبدأ الجميع بإحتضان بعضه البعض. ويعبر عن حبّه لبعضه البعض. والصور تصبح سعيدة. والمحبة تدخل بهيئة غيمة بيضاء من الشباك الأكبر. تحلق فوق رؤوس الأصدقاء والصديقات وتمطر فرحاً. منسوب درجة "البوح" هذه هي لحظات فرح فقط. الحزن سوف يأتي بعد أن تذهب الغيمة ويعود الأصدقاء إلى بيوتهم. عندها، تدخل غيمة "الوحدة" إلى غرفتكِ مباشرة وتنام قبلك على السرير. حزن؟ لا..لا..

أنا ومي تجاهلنا العاصفة التي مرّت على البيت وجعلته مثل المطعم في يوم الأول من عيد ما. دخلته العائلات وأبنائها الشياطين ولم يتركوا شيئاً في مكانه. دخلت كلّ منا إلى غرفتها تمام الساعة الرابعة صباحاً.

يارا صديقتي أيقظتني الساعة العاشرة صباحاً:"رشا، جاي معنا على الزيتون؟". أجبتها بـ "كنت بحبّ"، ولكن الإنفلونزا تمنعني. هذا المخلوق الحيواني الذي يأتي مرة بالسنة – الحمدلله إنه مرة بالسنة- للسيطرة على كلّ ما فيكِ من حياة. (ولاو!). الصراحة، هو مخلوق غريب يأتي بوقت غير مناسب. فقط.

لم أستطع العودة إلى النوم. فقررت أن أحضر جهاز اللاب توب (هاي بتصير كلّ يوم الصبح). وأكتب قصة سعيدة. فجأة، أثناء كتابتي الفقرة ما قبل الأخيرة، قررت أن ألقي نظرة سريعة على مجتمع الفيسبوك. رأيت تعليقاً لصديق فلسطيني يعيش في باريس (باريس تعود مرة أخرى) على رابط لأغنية جديدة لصديق آخر لنا في عمان. قال له:"أبكيتني بفرحٍ".

9 تشرين الثاني/ نوفمبر 2011

رام الله، فلسطين

تعليقات

  1. "الحزن مبقلهوش جلال ياجدع.. الحزن زي البرد زي الصداع"
    تدوينة أمتعتني كثيرا.
    تحياتي

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أحد أطفال "كفرون"؛ يزن أتاسي: "نحنا ما منشبه بعض"

حاورته: رشا حلوة كان ذلك في العام 1990، حين قال له والده: "بدنا نروح مشوار"، لم يخبره إلى أين، "كنت رفيق أبي كتير وأنا وصغير، بروح معه على الشغل، وقالي رايحين مشوار، وبشكل طبيعي ركبنا بالسيارة، وصلنا على مكان قريب من مدرستي وفتنا على بناية، بكتشف بعد ما فتت إننا وصلنا على مكتب دريد لحّام"، يقول الفنان السوري يزن أتاسي في حوار خاص لمجلة "الحياة"، أجريناه عبر السكايب. ويزن أتاسي (1980) هو أيضاً "وسيم"، أحد الأطفال الذين مثلوا أدوار البطولة في فيلم "كفرون" لدريد لحّام، الذي سيتمحور معظم حديثنا عن تجربته فيه، التجربة الشخصية والفنّية لطفل في فيلم سوري، قبل 24 عاماً، كان لها أحد التأثيرات الكبرى على جيل كامل عاش طفولة التسعينيات. " هنالك معرفة بين دريد وأبي"، يقول يزن، "بس أنا انسطلت، لأنه أول مرة بحياتي بشوفه وجهاً لوجه، هني بحكوا وأنا مسحور لأني قاعد قدام غوار الطوشة!". بعدها خرجا من المكان، لا يذكر يزن الحديث الذي دار بين والده ودريد لحّام، ويعتقد أيضاً أنه كان قد قابل أخته نور أتاسي قبله، وهكذا وقع القرا

عن "البحر بيضحك ليه؟" ومراحل الحياة..

عكّا، بعدسة: نادر هواري أغنية "البحر بيضحك ليه"، من كلمات الشّاعر نجيب سرور، ألحان وغناء الشّيخ إمام عيسى، هي الأغنية الملائمة لكلّ مراحل الحياة. لا يهم المرحلة إنّ كانت سعيدة أو حزينة، فيها أمل أو خيبة، قلق أو راحة، كلما سمعتها تشعر بأنها تُغنى لك. تحكي معك.. الأغنية لا علاقة لها لمن يعرف البحر أو لا يعرفه، سواء كان البحر قريبًا أو وبعيدًا.. هي قادرة أن تحمل لك مشاهد بصريّة مختلفة كلما سمعتها، تحمل معها وجوهًا عديدة وذكريات.. وكأنك كلما تسمعها تشعر بأن الزّمن توقف. لا يتحرك. كأن حالتك المرافقة لها حين سمعتها قبل 5 أعوام، مع ناس أو من غيرهم، تشبه حالتك حين تعيد سماعها اليوم، لوحدك أو مع آخرين.. والأجمل، بأنك تدرك تمامًا بأن حالتك هي، المرافقة لسماع الأغنية، تمامًا كما الملايين من عشاق الأغنية ذاتها. هي أغنية الطبطبة على الروح.. وحاملة المقولة الوجوديّة الأبديّة: ولسّه جوا القلب أمل.

اللهجات الفلسطينية

عندي سؤال مهم - أو حسب رأيي مهم - مين المسؤول عن ترسيخ فكرة إنه في فلسطين في بس لهجة عامية وحدة؟ وإنه نسي يقول بأنه لكلّ مدينة وقرية فلسطينية في لهجة إلها خاصة فيها؟ وإنه لما حدا من شفاعمرو بقول كلمة واحدة منعرف كلنا إنه من شفاعمرو؟ مما يدل على خصوصية لهجة أحل شفاعمرو يعني :) يعني مثلاً، مثلاً، لكلمة "رصاصات"- رصاصات القلم يعني - في عَ الأقل 4 مفردات باللهجة الفلسطينية؛ فُطع، زبانات، بريات، قُزع. (شكراً أسماء عزايزة عَ المساعدة  :) ). عشان هيك، ملاحظات أخيرة عن الموضوع: - لما أي حدا بقرأ نص/ قصة قصيرة/ رواية لكاتب/ة فلسطيني/ ة فيه كلمات/ جمل بالعامية، يعرف الكاتب/ ة من وين عشان يعرف من أي بلد هاللهجة. - يا ريت اللي بدو يعمل مسلسل عن فلسطين والقضية الفلسطينية يعمل دراسة عن اللهجات وينوّع. فلسطين ليست فقط الأراضي المحتلة عام 1967. - يلعن سايكس بيكو والاستعمار وسنينه كلّها. - عيب إنه الفلسطيني ما يعرف إنه في تنوّع لهجات. وإنه اللي خلقان في شمال فلسطين المحتلة، ويبتعد 15 كم عن جنوب لبنان، أكيد لهجته رح تكون قريبة من لهجة جنوب لبنان أكثر من جنوب فلسطين. - لن ننس