التخطي إلى المحتوى الرئيسي

كان من المفترض أن تحتفل بعيد ميلادك الستين



لطالما كان الموت سؤال الحياة الأوّل. وحضوره القريب، يجلب معاه أسئلة لا نهائيّة، لا بل يوميّة عن كلّ تفصيلة مرّت وتمرّ وسوف تمرّ في هذه الحياة، هو سؤال المعنى والعدم، الماضي والمستقبل، ومحاولة مستمرة ودائمة لإعطاء أيّ قيمة، ولو صغيرة، لما يُسمى الحاضر/ الآن/ اللحظة/ إسّا/ هلق/ هلكيت/ دلوقتي/ توّا.. إلخ. وهو سؤال الاحتمالات، والاحتمالات كما نعرف يا أبي، ليست جميلة دومًا.

لكننا، خلقنا في منطقة يلعنها التاريخ كلّ يوم، ولا زالت تتمسك بما قاله سعد الله ونوس يومًا ما: محكومون بالأمل
. يخيفني تكرار هذه المقولة أحيانًا، خوفًا من الكليشيهات، وصوت ضحكات الساخرين هناك في مكان ما سرًا، على كليشيهات الأمل. معليش، سأواصل البحث عن قلوبٍ في الشّارع.

المهم، بالعودة إلى الاحتمالات يا أبي. اليوم، العشرون من آب/ أغسطس، كان من المفترض أن تحتفل بعيد ميلادك الستين. كل القصص الحزينة أعيشها في هذه الجملة: كان من المفترض أن. وما لم يتيح الافتراض هذا، لا سفر إلى مكان ما، بيننا وبينه طائرة أو قطار أو سيارة قديمة، إنما هو الموت.

"أن نصل إلى الستين من عمرنا"، هو احتمال وارد، لكنه غير واردٍ أيضًا. والاحتمالات تزداد إيجابًا أو سلبًا وفقًا لسياقها، ذاك الذّاتي أحيانًا والعامّ في أوقات عديدة. أي، في أماكن أخرى، احتمالات الوصول إلى السّتين من عمرنا أكثر من غيرها. نحن الذين نعيش في منطقة، نكاد نصدق أن أمراض السّرطان هي مؤامرة أيضًا.

المهم، اليوم عيد ميلادك السّتين يا أبي. وجننتك بالحكي الوجودي اللي فوق بعرف. أنتَ لست هنا لتطفئ أيّ شمعة، لكن، ابتسامتك هذه التي في الصّورة، شمعة عُمري الماضي والقادم، والحاضر. سنصل إلى الستين يا أبي، سنحارب على الحياة دومًا.

كل عام وروحك هي الحبّ والأمان والنور على الاحتمالات الجميلة.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عن "البحر بيضحك ليه؟" ومراحل الحياة..

عكّا، بعدسة: نادر هواري أغنية "البحر بيضحك ليه"، من كلمات الشّاعر نجيب سرور، ألحان وغناء الشّيخ إمام عيسى، هي الأغنية الملائمة لكلّ مراحل الحياة. لا يهم المرحلة إنّ كانت سعيدة أو حزينة، فيها أمل أو خيبة، قلق أو راحة، كلما سمعتها تشعر بأنها تُغنى لك. تحكي معك.. الأغنية لا علاقة لها لمن يعرف البحر أو لا يعرفه، سواء كان البحر قريبًا أو وبعيدًا.. هي قادرة أن تحمل لك مشاهد بصريّة مختلفة كلما سمعتها، تحمل معها وجوهًا عديدة وذكريات.. وكأنك كلما تسمعها تشعر بأن الزّمن توقف. لا يتحرك. كأن حالتك المرافقة لها حين سمعتها قبل 5 أعوام، مع ناس أو من غيرهم، تشبه حالتك حين تعيد سماعها اليوم، لوحدك أو مع آخرين.. والأجمل، بأنك تدرك تمامًا بأن حالتك هي، المرافقة لسماع الأغنية، تمامًا كما الملايين من عشاق الأغنية ذاتها. هي أغنية الطبطبة على الروح.. وحاملة المقولة الوجوديّة الأبديّة: ولسّه جوا القلب أمل.

أحد أطفال "كفرون"؛ يزن أتاسي: "نحنا ما منشبه بعض"

حاورته: رشا حلوة كان ذلك في العام 1990، حين قال له والده: "بدنا نروح مشوار"، لم يخبره إلى أين، "كنت رفيق أبي كتير وأنا وصغير، بروح معه على الشغل، وقالي رايحين مشوار، وبشكل طبيعي ركبنا بالسيارة، وصلنا على مكان قريب من مدرستي وفتنا على بناية، بكتشف بعد ما فتت إننا وصلنا على مكتب دريد لحّام"، يقول الفنان السوري يزن أتاسي في حوار خاص لمجلة "الحياة"، أجريناه عبر السكايب. ويزن أتاسي (1980) هو أيضاً "وسيم"، أحد الأطفال الذين مثلوا أدوار البطولة في فيلم "كفرون" لدريد لحّام، الذي سيتمحور معظم حديثنا عن تجربته فيه، التجربة الشخصية والفنّية لطفل في فيلم سوري، قبل 24 عاماً، كان لها أحد التأثيرات الكبرى على جيل كامل عاش طفولة التسعينيات. " هنالك معرفة بين دريد وأبي"، يقول يزن، "بس أنا انسطلت، لأنه أول مرة بحياتي بشوفه وجهاً لوجه، هني بحكوا وأنا مسحور لأني قاعد قدام غوار الطوشة!". بعدها خرجا من المكان، لا يذكر يزن الحديث الذي دار بين والده ودريد لحّام، ويعتقد أيضاً أنه كان قد قابل أخته نور أتاسي قبله، وهكذا وقع القرا

ريم بنّا.. التهليلة الفلسطينية الباقية

(رشا حلوة ) أذكر أني سمعت الفنانة الفلسطينية ريم بنّا لأول مرةٍ حين كان ربيعي يلامس العشرة أعوام، لا أعلم كيف وصل كاسيت "الحلم" إليّ، أو ربما لا أذكر. كان الوقت صيفًا في عكا، في غرفتي المطلة على البحر. أذكر بأني ناديت على أمي لتشاركني سماع الكاسيت، فسمعنا سويةً "يا ليل ما أطولك" وبكتْ أمي حين أخذتها التهليلة إلى كل الحنين الذي حملته معها منذ أن هُجّر أبوها من قريته الجليلية حتى ساعة انتظار العودة، التي طالت. ترتبط ريم بنّا في روحنا وذائقتنا بالتهليلة الفلسطينية والمورث الشعبي الفلسطيني. فهي أول من أعادت غناء وإحياء التهليلة الفلسطينية واحترفتها حتى يومنا هذا، بما في ذلك ضمن ألبومها الأخير "مواسم البنفسج- أغاني حُب من فلسطين"، والذي يحتوي على تهليلة "أمسى المسا"، المرفوعة إلى اللاجئين الفلسطينيين. بدأت ريم تهتم بالغناء التراثي الفلسطيني حين كانت لا تزال في المدرسة، يوم طُلب منها أن تحفظ أغاني تراثية لمهرجان تراثي في مدرستها، ونصحتها والدتها الشاعرة زهيرة صبّاغ أن تغني التهليلة الفلسطينية التي لم يغنّها أحد بعد. شعرتْ وقتئذٍ أن التهاليل تلائم صوتها