التخطي إلى المحتوى الرئيسي

بخاف على عكّا

بحر عكّا وصياد صغير | أيلول 2013

رشا حلوة
عكّا - 
بفكر إني متذكرة المرات اللي زرت فيها يافا. وهاد إشي مش حلو، لأنه هاد معناه إني زرتها مرات قليلة. مع إني بحبّها كتير! وقريبة من مدينتي عكّا ... يعني يا دوب ساعة يوخد الطريق بالقطار. بس برضه، دايماً عندي شعور إني مقصرة في حقها. مع إنها الأقرب إلى عكّا؛ بالروح والشكل وريحة البحر. وأنا بحبّ كلّ مدينة بحرية، وين ما كانت، كم بالحري الأكثرهن حزناً؟
لما بزور يافا، بحس إنو قلبي بيدق من الشوق والخوف. الشوق طبيعي. بس الخوف بيزيد كلّ مرة. لأني كلّ ما أزور يافا، بخاف على عكّا أكثر.
احتلال يافا كان احتلال موجّه في قتل الإنسان قبل الأرض. وهيه هيك. كأنها مثل البير الناشف، لسه موجود وجميل بحجارته وتفاصيله البصرية، بس وين الميّ؟ لما بتمرقي جنب البير، أول إشي بتعمليه هو إنك بتدوري على حجر بمحيطه عشان ترميه وتفحصي إذا في ميّ، إذا فاضي بتسمعي صوت ضربة الحجر بالأرض، وإذا مليان بتسمع صوت مثل الأصوات اللي بتردّ الروح. والبير الناشف بيضلّو يستنّى ليجي المطر. ويافا هيك ... أجمل ما يكون، بس دايماً على وجع الانتظار، وجهها باتجاه البحر، كأنها بتستنى اللي لازم يجوا من هناك ... مع الموج.

ليش بخاف على عكّا أكثر؟ لأنه إحنا لسه عايشين وعايشات فيها. بس اللي بيخوّف، إنو نصير في البلد القديمة أقلية. والخوف الأكبر إنو يتحقق مشروع الاحتلال اللي بدّو تهويد عكّا القديمة، تماماً وبدّو يحوّلها إلى نوع من مدينة سياحية فقط. وهذا المشروع بلش من سنين: من شراء وبيع بيوت، ومواقع أثرية منها مثلاً «خان العمدان»، وهوي الخان اللي بناه أحمد باشا الجزار سنة 1785، وكان عبارة عن سوق وأماكن تجارية وغرف فنادق للتجار المسافرين والمارقين من عكّا براً وبحراً ... في خان العمدان، كنا نعمل مهرجانات أغاني ومسرح لأهل البلد، وكان الخان ملعب الأطفال الوحيد. بس لما اشتراه مستثمر أجنبي، ما إلو علاقة بعكّا إلا لأنّا مشروع مربح مادياً بالنسبة إلو، بطّل في ملعب كبير يلعبوا فيه الأولاد والبنات.

بتذكر لما زرت يافا من فترة وكانت زيارة مفصلية. طلعت من عكّا عشان أوصل امرأة فلسطينية كبيرة في السن شوي من يافا، خلقت في بيروت ورجعت إلى رام الله من سنين. وكانت هاي المرة الثانية اللي بتزور فيها مدينتها يافا. وصلنا أنا وهيّه وكمان صديقة تانية للميناء. أول ما وقّفنا السيارة ... صارت تبكي الست! وما كان بدها تروح على الحيّ اللي بيتهن فيه! فضّلت تبقى بالمينا وجنب البحر. لأنها متل ما قالت: لو راحت؟ مش رح تستحمل الوجع. هيك قالت. وإحنا قاعدين بناكل سمك، اتصلت فيها بنتها اللي عايشة في بيروت، وسألتها: «ماما وينك؟». جاوبتها: «في يافا يا ماما». كان رد فعل بنتها الأولي: «لا! عن جدّ يا ماما وينك؟». فكّرتها عم تمزح معها. ليش جملة: «أنا في يافا»، جملة صعب هالقد إنّو نصدّقها؟
بخاف على عكّا أكثر. لأنو بخاف إنو شي يوم لما نقول: «إحنا في عكّا»، نكون بس عم نزورها سياحة ... ونصير لما نقول هالجملة العادية، نبكي. لأنو مش عارفين أو مش مقدرين قديش مشروع الاحتلال كبير. ولازم نكون قلقين كلّ لحظة من سهولة تحقيقه. يمكن هيّه مش أسهل مدينة في فلسطين إنك تعيش وتعيشي فيها، يمكن هيّه فعلاً مثل «قرية صيادين». بس وإحنا بعاد صعب إنو نمنعهن يطلّعوا الميّ من البير.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أحد أطفال "كفرون"؛ يزن أتاسي: "نحنا ما منشبه بعض"

حاورته: رشا حلوة كان ذلك في العام 1990، حين قال له والده: "بدنا نروح مشوار"، لم يخبره إلى أين، "كنت رفيق أبي كتير وأنا وصغير، بروح معه على الشغل، وقالي رايحين مشوار، وبشكل طبيعي ركبنا بالسيارة، وصلنا على مكان قريب من مدرستي وفتنا على بناية، بكتشف بعد ما فتت إننا وصلنا على مكتب دريد لحّام"، يقول الفنان السوري يزن أتاسي في حوار خاص لمجلة "الحياة"، أجريناه عبر السكايب. ويزن أتاسي (1980) هو أيضاً "وسيم"، أحد الأطفال الذين مثلوا أدوار البطولة في فيلم "كفرون" لدريد لحّام، الذي سيتمحور معظم حديثنا عن تجربته فيه، التجربة الشخصية والفنّية لطفل في فيلم سوري، قبل 24 عاماً، كان لها أحد التأثيرات الكبرى على جيل كامل عاش طفولة التسعينيات. " هنالك معرفة بين دريد وأبي"، يقول يزن، "بس أنا انسطلت، لأنه أول مرة بحياتي بشوفه وجهاً لوجه، هني بحكوا وأنا مسحور لأني قاعد قدام غوار الطوشة!". بعدها خرجا من المكان، لا يذكر يزن الحديث الذي دار بين والده ودريد لحّام، ويعتقد أيضاً أنه كان قد قابل أخته نور أتاسي قبله، وهكذا وقع القرا...

عن "البحر بيضحك ليه؟" ومراحل الحياة..

عكّا، بعدسة: نادر هواري أغنية "البحر بيضحك ليه"، من كلمات الشّاعر نجيب سرور، ألحان وغناء الشّيخ إمام عيسى، هي الأغنية الملائمة لكلّ مراحل الحياة. لا يهم المرحلة إنّ كانت سعيدة أو حزينة، فيها أمل أو خيبة، قلق أو راحة، كلما سمعتها تشعر بأنها تُغنى لك. تحكي معك.. الأغنية لا علاقة لها لمن يعرف البحر أو لا يعرفه، سواء كان البحر قريبًا أو وبعيدًا.. هي قادرة أن تحمل لك مشاهد بصريّة مختلفة كلما سمعتها، تحمل معها وجوهًا عديدة وذكريات.. وكأنك كلما تسمعها تشعر بأن الزّمن توقف. لا يتحرك. كأن حالتك المرافقة لها حين سمعتها قبل 5 أعوام، مع ناس أو من غيرهم، تشبه حالتك حين تعيد سماعها اليوم، لوحدك أو مع آخرين.. والأجمل، بأنك تدرك تمامًا بأن حالتك هي، المرافقة لسماع الأغنية، تمامًا كما الملايين من عشاق الأغنية ذاتها. هي أغنية الطبطبة على الروح.. وحاملة المقولة الوجوديّة الأبديّة: ولسّه جوا القلب أمل.

اللهجات الفلسطينية

عندي سؤال مهم - أو حسب رأيي مهم - مين المسؤول عن ترسيخ فكرة إنه في فلسطين في بس لهجة عامية وحدة؟ وإنه نسي يقول بأنه لكلّ مدينة وقرية فلسطينية في لهجة إلها خاصة فيها؟ وإنه لما حدا من شفاعمرو بقول كلمة واحدة منعرف كلنا إنه من شفاعمرو؟ مما يدل على خصوصية لهجة أحل شفاعمرو يعني :) يعني مثلاً، مثلاً، لكلمة "رصاصات"- رصاصات القلم يعني - في عَ الأقل 4 مفردات باللهجة الفلسطينية؛ فُطع، زبانات، بريات، قُزع. (شكراً أسماء عزايزة عَ المساعدة  :) ). عشان هيك، ملاحظات أخيرة عن الموضوع: - لما أي حدا بقرأ نص/ قصة قصيرة/ رواية لكاتب/ة فلسطيني/ ة فيه كلمات/ جمل بالعامية، يعرف الكاتب/ ة من وين عشان يعرف من أي بلد هاللهجة. - يا ريت اللي بدو يعمل مسلسل عن فلسطين والقضية الفلسطينية يعمل دراسة عن اللهجات وينوّع. فلسطين ليست فقط الأراضي المحتلة عام 1967. - يلعن سايكس بيكو والاستعمار وسنينه كلّها. - عيب إنه الفلسطيني ما يعرف إنه في تنوّع لهجات. وإنه اللي خلقان في شمال فلسطين المحتلة، ويبتعد 15 كم عن جنوب لبنان، أكيد لهجته رح تكون قريبة من لهجة جنوب لبنان أكثر من جنوب فلسطين. - لن ننس...