التخطي إلى المحتوى الرئيسي

عن مسافر زادهُ الحياة؛ إلى هاني درويش..



رشا حلوة
كان ذاك يوم سبت من يونيو الماضي، إلتقينا بكَ أنا ومايكل في "الحميدية". وهذه المرة الأولى التي لا نلتقي بها في "الندوة" أو "إستوريل". كنت قد وصلت قبلنا، ووجدناك جالساً في الداخل. لكن الطاولة كانت ضيقة علينا، فقررنا أنّ نجلس في الخارج. لم تكن كعادتك، حدثتنا عن الستائر التي اشتريتها قبل لقائنا بقليل ولا زالت معك، كان وجهك مرهقاً كغير طبيعتك. سألتك ما بك يا هاني:"تعبان شوية يا روشا". ومن ثم حدثتنا عن مشوارك القادم إلى ألمانيا، وعن شوقك إلى برلين والشهر الذي ستقضيه هناك.

تعرفت إليك في سبتمبر 2011 في "إستوريل" في جلسة احتضنت العديد من الأصدقاء والصديقات. من بعدها إلتقينا في افتتاح معرض الكتاب في القاهرة في يناير 2012. ومن بعدها إلتقينا في تونس على مدار أسبوع، سهرنا مع الأصدقاء وتجولنا في شوارع تونس العاصمة وحولناها إلى "قاهرة صغيرة"، بمزاج من يحبّ مشاهدة بداية الحياة عند الفجر.

بعد تونس، عادت لقاءاتنا لتتمركز ما بين "الندوة" و "إستوريل". أجملها، كان لقاء الصدفة في أبريل الماضي، قبل أن أسافر بليلة واحدة.. كنت قد وصلتَ للتوّ من تدريب صحافي في الإسكندرية، حاملاً حقيبة كبيرة ومرهق تماماً من السفر لكن مليء بالطاقة والتفاؤل من جيل الشبان والشابات في الدورات التدريبية. شربنا الستيلا سوياً معك أنا ومايكل ورشا وإسلام وزيزي، حدثتنا عن تجربة التدريب ومتعتها بصوتك الذي لا طالما انتقل لي بصرياً كأنه خرج من مذياع خشبيّ قديم ويعيش بوضوحه وصفائه معنا اليوم، رغم أنّ "الوقت يقتل الخشب". وانتهى لقاؤنا حين كان عليّ أنّ أترك المكان لتحضير حقيبة سفري.

هل تذكر السهرة المصرية- الفلسطينية – التونسية في "بلازا"؟ في المرسى التونسي. كنت قد إنتظرتَ أنت وباسل ومالك وصولنا إلى المكان لأنّ رجال الأمن لم يسمحوا لكم بالدخول كونكم لا ترتدون "الثياب الرسمية"، وإضافة إلى ذلك كنت ترتدي في رجلك حذاء "كروكس" أبيض، صورته أنا بكاميرا الآيفون. وطلبت أيضاً أنّ أصورك مع بديعة التي لم تتوقف عن مناداتها بـ "نجمتنا". شربنا زجاجات عديدة من "سليتيا" (البيرا التونسية)، وأكلنا البيزا مع التونا.. ولم تخلو تلك السهرة من الغناء بصوت عالٍ، حتى أنّ رواد المكان انزعجوا مننا، فقررنا أن نستمر بالغناء لكن بصوت واطي.. طبعا معظمنا نجح بتخفيض نغمة صوته عداك J عندها طلب صديقنا أيمن من بديعة أن تغني "يا قلب"، الأغنية التي تبدأ بموال "يا عين بالدمعة نوحي نوحي/ نبكي والقلب مجروح/ ودموعك ما تداوي جروحي يا عين"، التابع لأغنية "فراق غزالي" للمغنية التونسية صليحة (إحدى نجوم الغناء في الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي).

عندما علمت خبر رحيلك عن هذا العالم، بحثت على الفور عن الملف الذي يحتوي صور تلك السهرة، ووجدت مقطع فيديو قصير لبديعة وهي تغني هذه الأغنية وأنت جالساً بجانبها. ومن ثم بحثت عن الأغنية في "اليوتيوب"، لأسمعها كلّ الليل، لتتحول من أغنية جميلة تغنّيها صديقتنا بديعة إلى الأغنية التي ستذكرني بكَ دوماً. وتبكيني.

نعيش في بلاد يرافق الموت غضباً ما. وفي كلّ موت قريب، نعيش العجز والأسئلة سويةً. لكن غالباً ما يأخذ الغضب حيزاً يطغى على الأسئلة العديدة المسماة بـ "التكفيرية". الغضب على سلطة أو قاتل أو حفرة في الشارع أو إهمال مؤسسة أو فساد أو مرض أو هموم حياة متراكمة. لكن على من نغضب برحيلك المسالم يا هاني؟ فلا منطقة وسطى نرمي بها شتائمنا.

لقاء "الحميدية" الأخير، كان ما قبل الثلاثين من يونيو بأيام قليلة، كما رحلتك إلى برلين. عندها ولأول مرة أسمعك قلقاً. كان قلقك سببه أنك ستكون بعيداً عن آدم ومراد خلال الثلاثين من يونيو.

 ألم يكن هذا القلق كافياً يا الله لتؤجل سفره الطويل قليلاً؟

 عكّا، فلسطين


تعليقات

  1. الموت فعلا بيفرقنا عن أعز الناس، بس عزائنا إننا هنقابلهم في الجنة إن شاء الله...
    الله يرحمه ويصبرك على فراقه.

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أحد أطفال "كفرون"؛ يزن أتاسي: "نحنا ما منشبه بعض"

حاورته: رشا حلوة كان ذلك في العام 1990، حين قال له والده: "بدنا نروح مشوار"، لم يخبره إلى أين، "كنت رفيق أبي كتير وأنا وصغير، بروح معه على الشغل، وقالي رايحين مشوار، وبشكل طبيعي ركبنا بالسيارة، وصلنا على مكان قريب من مدرستي وفتنا على بناية، بكتشف بعد ما فتت إننا وصلنا على مكتب دريد لحّام"، يقول الفنان السوري يزن أتاسي في حوار خاص لمجلة "الحياة"، أجريناه عبر السكايب. ويزن أتاسي (1980) هو أيضاً "وسيم"، أحد الأطفال الذين مثلوا أدوار البطولة في فيلم "كفرون" لدريد لحّام، الذي سيتمحور معظم حديثنا عن تجربته فيه، التجربة الشخصية والفنّية لطفل في فيلم سوري، قبل 24 عاماً، كان لها أحد التأثيرات الكبرى على جيل كامل عاش طفولة التسعينيات. " هنالك معرفة بين دريد وأبي"، يقول يزن، "بس أنا انسطلت، لأنه أول مرة بحياتي بشوفه وجهاً لوجه، هني بحكوا وأنا مسحور لأني قاعد قدام غوار الطوشة!". بعدها خرجا من المكان، لا يذكر يزن الحديث الذي دار بين والده ودريد لحّام، ويعتقد أيضاً أنه كان قد قابل أخته نور أتاسي قبله، وهكذا وقع القرا

عن "البحر بيضحك ليه؟" ومراحل الحياة..

عكّا، بعدسة: نادر هواري أغنية "البحر بيضحك ليه"، من كلمات الشّاعر نجيب سرور، ألحان وغناء الشّيخ إمام عيسى، هي الأغنية الملائمة لكلّ مراحل الحياة. لا يهم المرحلة إنّ كانت سعيدة أو حزينة، فيها أمل أو خيبة، قلق أو راحة، كلما سمعتها تشعر بأنها تُغنى لك. تحكي معك.. الأغنية لا علاقة لها لمن يعرف البحر أو لا يعرفه، سواء كان البحر قريبًا أو وبعيدًا.. هي قادرة أن تحمل لك مشاهد بصريّة مختلفة كلما سمعتها، تحمل معها وجوهًا عديدة وذكريات.. وكأنك كلما تسمعها تشعر بأن الزّمن توقف. لا يتحرك. كأن حالتك المرافقة لها حين سمعتها قبل 5 أعوام، مع ناس أو من غيرهم، تشبه حالتك حين تعيد سماعها اليوم، لوحدك أو مع آخرين.. والأجمل، بأنك تدرك تمامًا بأن حالتك هي، المرافقة لسماع الأغنية، تمامًا كما الملايين من عشاق الأغنية ذاتها. هي أغنية الطبطبة على الروح.. وحاملة المقولة الوجوديّة الأبديّة: ولسّه جوا القلب أمل.

اللهجات الفلسطينية

عندي سؤال مهم - أو حسب رأيي مهم - مين المسؤول عن ترسيخ فكرة إنه في فلسطين في بس لهجة عامية وحدة؟ وإنه نسي يقول بأنه لكلّ مدينة وقرية فلسطينية في لهجة إلها خاصة فيها؟ وإنه لما حدا من شفاعمرو بقول كلمة واحدة منعرف كلنا إنه من شفاعمرو؟ مما يدل على خصوصية لهجة أحل شفاعمرو يعني :) يعني مثلاً، مثلاً، لكلمة "رصاصات"- رصاصات القلم يعني - في عَ الأقل 4 مفردات باللهجة الفلسطينية؛ فُطع، زبانات، بريات، قُزع. (شكراً أسماء عزايزة عَ المساعدة  :) ). عشان هيك، ملاحظات أخيرة عن الموضوع: - لما أي حدا بقرأ نص/ قصة قصيرة/ رواية لكاتب/ة فلسطيني/ ة فيه كلمات/ جمل بالعامية، يعرف الكاتب/ ة من وين عشان يعرف من أي بلد هاللهجة. - يا ريت اللي بدو يعمل مسلسل عن فلسطين والقضية الفلسطينية يعمل دراسة عن اللهجات وينوّع. فلسطين ليست فقط الأراضي المحتلة عام 1967. - يلعن سايكس بيكو والاستعمار وسنينه كلّها. - عيب إنه الفلسطيني ما يعرف إنه في تنوّع لهجات. وإنه اللي خلقان في شمال فلسطين المحتلة، ويبتعد 15 كم عن جنوب لبنان، أكيد لهجته رح تكون قريبة من لهجة جنوب لبنان أكثر من جنوب فلسطين. - لن ننس