التخطي إلى المحتوى الرئيسي

دبكة “الدام” عالقمر.. والأرض


رشا حلوة 

مرّت 5 سنوات على “إهداء”، وبعد النجاح المستمر لهذا الألبوم ولفرقة الهيب هوب الفلسطينية “الدام” وأعضائها تامر النفّار، سهيل النفّار ومحمود جريري، وبعد تخصيص وقت للعمل على كلّ أغنية كما يليق بها، إستطاعت الفرقة اللداوية أن تعلن عن إطلاق ألبومها الثاني “ندبك عالقمر”، من خلال حفلة تُقام بداية في حيفا يوم غد الخميس 15.11.2012 وتستمر في جولتها إلى يافا ومدن فلسطينية أخرى.
لم تكن سيرورة الإنتاج بالأمر السهل، حال كافة الفنانين والفرق الموسيقية الفلسطينية في الداخل الفلسطيني، لكن من يعرف “الدام” وهذه الجدية اليومية والمسؤولية التي شاهدناها على مدار أكثر من 10 سنوات تجاه الهيب هوب الفلسطيني، وتجاه الكلمة التي تحكي هذا الواقع المُهمش، يعرف أن “الدام” لم تكن لترتاح يوماً قبل أن “تدبّك على القمر”- وإن مجازاً.
يحتوي الألبوم على 11 أغنية مصنفة كأغاني هيب هوب، وما يميز الهيب هوب الاحتجاجي العربي إجمالاً والفلسطيني خاصة، هو إدراك هذه الفرق وبشكل خاص فرقة “الدام”، لكيفية احتضان أنواع موسيقية مختلفة داخل إطار الهيب هوب (إنّ صح تسميته بإطار)، وهذا يعتمد على الذكاء بتوظيف الإيقاع، أضف إلى ذلك الانفتاح الموسيقي على عوالم أخرى، مما يبرز فكرة أنه وبرغم الهُوية الأولى لموسيقى الهيب هوب، والتي جاءت من “الغرب”، إلا أنّ  إنتاجها من هذه البقعة الجغرافية وباللغة العربية التي تحكي قصص الناس، يجعلها مترابطة تماماً مع الواقع الإحتجاجي لهذه الأرض، أضف إلى العمل على اللحن ذاته والدمج الموسيقي مع الآلات والإيقاعات الشرقية في الأغاني.
أغاني ألبوم “ندبك عالقمر” تتحدث عن مواضيع حياتية مختلفة في غالبيتها تمس واقع الفلسطينيين في فلسطين الحقيقية عامةً وفي الداخل الفلسطيني خاصة، بكافة جوانبه الحياتية: الاحتلال، الواقع الاجتماعي، الواقع الذي تعيشه المرأة الفلسطينية والعربية أيضاً، القتل على خلفية ما يُسمى “شرف العائلة”، الأسرى في سجون الاحتلال والتعامل العربي مع فلسطينيي الداخل (حاملي جوازات السفر الإسرائيلية). للوهلة الأولى يمكن للمتلقي أن يتفاجأ بجمع كلّ هذه المواضيع داخل ألبوم موسيقي واحد، لكن هل حياتنا تختلف عن هذا المزيج؟ وأعتقد أن من خلاله تتوضح مقولة “الدام” الأساسية الإنسانية، بأنّ النضال السياسي ضد الاحتلال يمشي بالتوازي مع النضال الإجتماعي لحقوق المرأة والطفل والإنسان إجمالاً، فتصبح الأرض حرّة.
الجديد أيضاً في ألبوم الفرقة الثاني هو التعاون مع مغنين آخرين، بمعظمهم لا علاقة لهم بموسيقى الراب، وهذا التعاون يأتي إمتداداً لفكرة عملية خلق عالم “هيب هوب فلسطيني” يحوي أنماطًا موسيقية متعددة. فأغنية “لو أرجع بالزمن” بالتعاون مع الفنانة أمل مرقس، تحكي عن القتل على خلفية ما يُسمى بشرف العائلة، وقد أُنتج فيديو كليب لها من إخراج جاكي ريم سلوم (مخرجة فيلم SlingShot HipHop) وسهيل نفّار (من “الدام”) وتمثيل كلّ من سماء واكيم، دريد لداوي، خولة دبسي وبهجت يونس. وفي أغنية “ليش”، تعاونت الفرقة مع المغني الجزائري رشيد طه والذي سجل مقطعاً باللهجة الجزائرية، وبرغم أهمية هذا التعاون الموسيقي ما بين فرقة فلسطينية من الداخل ومغنٍّ جزائري، إلا أني أعتقد أن هنالك ضعفًا ما في تسجيل الأغنية، بحيث لم يكن مقطع رشيد طه واضحاً ولم أشعر بأنه يخدم الأغنية كما يجب أو يعطيها ميزة ما. أما التعاون الثالث فكان مع المغني الياس جوليانوس في أغنية “لفيت الدنيا”، والرابع مع فرقة الهيب هوب الفلسطينية “ولاد الحارة” في الأغنية “كلبش مجرمي الحرب”.
من خلال 11 أغنية، نجحت “الدام” تماماً بأن تأخذنا إلى رحلة احتوت على تفاصيل حياتية مختلفة، لا تبتعد عن حياتنا، وقد نجحت الفرقة في توظيف اللحن والإيقاع في خدمة الكلمة بشكل أساسي، ولكن في خدمة الفكرة أكثر. وأرى أن تسمية الألبوم حسب أغنية “ندبك عالقمر” هي خطوة ذكية، كون التسمية تبتعد عن “الكيلشيه” نوعاً ما، لكن لو كان بإمكاني أن أختار إسماً للألبوم من الأغاني الموجودة، لاخترت “أنا مش خاين” (مع إدراكي لتكرار مثل هذه التسميات)، لكن الأغنية إستطاعت أن تجمع بداخلها أغاني الألبوم كلّها، وتسرد هذا الواقع وتخدم امتداد الفكرة بأنّ الفنان الفلسطيني لا يمكن إلا أن يحكي قصة أهله/ حارته/ بلده/ قصته الشخصية وحتى العاطفية المرتبطه بكلّ ما ذُكر أعلاه، وتخدم مفهوم الأغنية الاحتجاجية التي تقع في صلب ما قدمته وتقدمه “الدام” على أكثر من 10 سنوات. ففي اللازمة الأولى للأغنية يقول سهيل نفّار: “فش مي بكل حارتي/ أنا مش خاين/ طلاب أكثر من كراسي/ أنا مش خاين/ حجر قدسي في كل داري/ أنا مش خاين/ بزور صحابي بالسجن/ أنا مش خاين/ بزور عيلتي بدي إذن/ أنا مش خاين”.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عن "البحر بيضحك ليه؟" ومراحل الحياة..

عكّا، بعدسة: نادر هواري أغنية "البحر بيضحك ليه"، من كلمات الشّاعر نجيب سرور، ألحان وغناء الشّيخ إمام عيسى، هي الأغنية الملائمة لكلّ مراحل الحياة. لا يهم المرحلة إنّ كانت سعيدة أو حزينة، فيها أمل أو خيبة، قلق أو راحة، كلما سمعتها تشعر بأنها تُغنى لك. تحكي معك.. الأغنية لا علاقة لها لمن يعرف البحر أو لا يعرفه، سواء كان البحر قريبًا أو وبعيدًا.. هي قادرة أن تحمل لك مشاهد بصريّة مختلفة كلما سمعتها، تحمل معها وجوهًا عديدة وذكريات.. وكأنك كلما تسمعها تشعر بأن الزّمن توقف. لا يتحرك. كأن حالتك المرافقة لها حين سمعتها قبل 5 أعوام، مع ناس أو من غيرهم، تشبه حالتك حين تعيد سماعها اليوم، لوحدك أو مع آخرين.. والأجمل، بأنك تدرك تمامًا بأن حالتك هي، المرافقة لسماع الأغنية، تمامًا كما الملايين من عشاق الأغنية ذاتها. هي أغنية الطبطبة على الروح.. وحاملة المقولة الوجوديّة الأبديّة: ولسّه جوا القلب أمل.

أحد أطفال "كفرون"؛ يزن أتاسي: "نحنا ما منشبه بعض"

حاورته: رشا حلوة كان ذلك في العام 1990، حين قال له والده: "بدنا نروح مشوار"، لم يخبره إلى أين، "كنت رفيق أبي كتير وأنا وصغير، بروح معه على الشغل، وقالي رايحين مشوار، وبشكل طبيعي ركبنا بالسيارة، وصلنا على مكان قريب من مدرستي وفتنا على بناية، بكتشف بعد ما فتت إننا وصلنا على مكتب دريد لحّام"، يقول الفنان السوري يزن أتاسي في حوار خاص لمجلة "الحياة"، أجريناه عبر السكايب. ويزن أتاسي (1980) هو أيضاً "وسيم"، أحد الأطفال الذين مثلوا أدوار البطولة في فيلم "كفرون" لدريد لحّام، الذي سيتمحور معظم حديثنا عن تجربته فيه، التجربة الشخصية والفنّية لطفل في فيلم سوري، قبل 24 عاماً، كان لها أحد التأثيرات الكبرى على جيل كامل عاش طفولة التسعينيات. " هنالك معرفة بين دريد وأبي"، يقول يزن، "بس أنا انسطلت، لأنه أول مرة بحياتي بشوفه وجهاً لوجه، هني بحكوا وأنا مسحور لأني قاعد قدام غوار الطوشة!". بعدها خرجا من المكان، لا يذكر يزن الحديث الذي دار بين والده ودريد لحّام، ويعتقد أيضاً أنه كان قد قابل أخته نور أتاسي قبله، وهكذا وقع القرا

ريم بنّا.. التهليلة الفلسطينية الباقية

(رشا حلوة ) أذكر أني سمعت الفنانة الفلسطينية ريم بنّا لأول مرةٍ حين كان ربيعي يلامس العشرة أعوام، لا أعلم كيف وصل كاسيت "الحلم" إليّ، أو ربما لا أذكر. كان الوقت صيفًا في عكا، في غرفتي المطلة على البحر. أذكر بأني ناديت على أمي لتشاركني سماع الكاسيت، فسمعنا سويةً "يا ليل ما أطولك" وبكتْ أمي حين أخذتها التهليلة إلى كل الحنين الذي حملته معها منذ أن هُجّر أبوها من قريته الجليلية حتى ساعة انتظار العودة، التي طالت. ترتبط ريم بنّا في روحنا وذائقتنا بالتهليلة الفلسطينية والمورث الشعبي الفلسطيني. فهي أول من أعادت غناء وإحياء التهليلة الفلسطينية واحترفتها حتى يومنا هذا، بما في ذلك ضمن ألبومها الأخير "مواسم البنفسج- أغاني حُب من فلسطين"، والذي يحتوي على تهليلة "أمسى المسا"، المرفوعة إلى اللاجئين الفلسطينيين. بدأت ريم تهتم بالغناء التراثي الفلسطيني حين كانت لا تزال في المدرسة، يوم طُلب منها أن تحفظ أغاني تراثية لمهرجان تراثي في مدرستها، ونصحتها والدتها الشاعرة زهيرة صبّاغ أن تغني التهليلة الفلسطينية التي لم يغنّها أحد بعد. شعرتْ وقتئذٍ أن التهاليل تلائم صوتها