بعد أن عُدت من لقاء شرم الشيخ (أيار/مايو 2012)، كانت لا زالت أغنية واحدة تسكن رأسي، ولم أكن لأتذكر سوى
مقطع واحد أدندنه منها؛ "ديما..ديما". أضف إلى مشهد يجمع أصدقائي التونسييين أثناء
غنائهم الأغنية في الليالي التي اجتمع فيها كافة أعضاء المجموعة للسهر والغناء.
بعد محاولات فاشلة لأن أتذكر
الأغنية، أرسلت لصديقي حسّان أسأله عنها، على الفور قام بإرسال رابط أغنية
"ديما.. ديما" والتي يغنيها الفنان التونسي ياسر جرادي. حتى هذه اللحظة،
لا زالت للأغنية الحيز الأكبر من ساعات إصغائي للموسيقى. فهي معي في كلّ مكان؛ في
قائمة الأغاني المفضلة على جهاز الكمبيوتر، وفي قائمة الأغاني المنتقاة على جهاز
هاتفي النقّال، وبلا شك المحاولات المستمرة والناجحة قدر لأن أُسمعها في كلّ لقاء
مع أصدقاء وصديقات في فلسطين.
حين ذهبت إلى تونس للمرة
الأولى، وخلال سهرة أصدقاء، قمت بتشغل الأغنية – بطبيعة الحال-، عندها أخبرني
صديقي عزيز بأن لحن الأغنية هو كتالوني، والأغنية بالأصل هي إحدى أغاني كتالونيا
الشهيرات. فأثلجت هذه المعلومة صدري. وامتداداً لهذه المعلومة، وفي وقت لاحق، كانت الخطوة الأولى التي قمت بها عند قدوم مجموعة من
كتالونيا لزيارة عكّا ولقائي بهم قبل أيام، أن أسمعهم النسخة التونسية من أغنيتهم الشهيرة.
وعلى الفور، قاموا بغنائها مع تسجيل "ديما" الموجود على هاتفي النقال، وبصراحة، لم أسمع "ديو" حيّاً أجمل من هذا.
إنّ لحن أغنية
"ديما..ديما" هو كتالوني الأصل، لأغنية L'Estaca (أي "الحصة" باللغة الكتالونية،
وهي كلمة ترمز إلى المصطلح "بدون حرية")، الأغنية الأصلية من كلمات
وألحان المغني وكاتب الكلمة الكتالوني Lluís Llach (1948)، وكان قد أصدرها في العام
1968. وحسب "ويكيبيديا"، إن الأغنية تم ترجمتها إلى لغات عديدة في
العالم، بحيث العديد من الدول تعتبرها أغنيتها المحلية. أغنية L'Estaca تم تأليفها أبان فترة حكم
ديكتاتورية الجنرال فرانكو في إسبانيا، وهي تدعو لوحدة العمل لتحقيق الحرية، فقد أصبحت
فيما بعد أغنية ترمز للكفاح من أجل الحرية والعدالة في كلّ مكان (حسب ويكيبديا).
بالرغم من أن الأغنية بنسختها
التونسية هي ليست عبارة عن ترجمة حرفية للأغنية الأصلية، إلا أن معناها لا يبتعد
كثيراً عن مفهوم "الحرية" والحبّ الذي لا يفنى للأرض برغم الظلم الذي
يعيشه الإنسان عليها على مرّ التاريخ. إن أغنية "ديما.. ديما" (وديما
تعني دائماً بالدارجة التونسية)، هي بمثابة حوار مع "الحبيبة"، والتي في
هذه الحالة هي الأرض و/أو الوطن. يقول مقطع من الأغنية:"لا لا ما نمل من صعبك
عليا/ نكتب إسمك بالدم في إيديا/ ونرجعلك ديما/ ديما.. ديما/ مهما زرعولي الشوك في
ثنيا/ مهما الأيام حبّت تهرب فيا".
تسرد الأغنية قصصاً قصيرة
عن تونس، القصص التي يعيشها الجميع، خاصة الموجعة منها وعن "اللي تعبوا من
المكتوب". تحكي الأغنية عن السحاب والبحر والتراب وأيدي الفلاحة "اللي
تولدت في الشوك والتراب.. وولدت هالخبز بجراحها"، كأن الأغنية تحكي عن
علاقتنا جميعنا في أوطاننا، هذا الحبّ الأبدي لها والمؤلم، ويؤكد جرادي في الأغنية
بأن "مهما خنتيني.. إنتِ عزيزة عليا".
إن أغنية L'Estaca تعتبرها شعوب كثيرة بأنها أغنيتها المحلية، وبإمكاننا
نحن أن نعتبرها كذلك أيضاً. لكني أرغب بأن أضيف على هذا الاعتبار، أغنية
""ديما..ديما"، لتكن بخصوصية هذه المنطقة على الأقل، هذه الأغنية التي لا
تتوقف عن الحديث عنا، عن هذه المجموعة التي "يجمعها حبّها لأوطانها وغربتها
فيها في ذات الوقت"، لتلتقي أيضاً عند أغنية باللهجة التونسية تعبر عن متحدثي
كلّ اللهجات العربية، والأهم بأنها تلعن الحدود.. ديما.. ديما.. كما يجب أن
تلعنها.
تعليقات
إرسال تعليق