التخطي إلى المحتوى الرئيسي

مشاوير؛ الجزائر: إستقلال ولحن*

صادف يوم الخميس، الخامس من تموز 2012، الذكرى الخمسون لاستقلال الجزائر من المستعمر الفرنسي بعد ثورة دامت سبع سنوات واستشهد فيها أكثر من مليون جزائري. لربما معظمنا لم يزر الجزائر، لكنها حاضرة دوما في موروثنا الثقافي، خاصة بما يتعلق بثقافة المقاومة. أضف إلى ثقافة وفنّ هذا الشعب العظيم، وكل ما صدر ويصدر منه من موسيقى، وموسيقى الراي خصوصًا، ووصول نجومه إلى العالم، مثل؛ الشاب خالد، الشاب مامي، رشيد طه وسيدة الراي الأولى الشيخة رميتي.



كلّ هذا والعديد من الفرق الموسيقية الجديدة تنتشر أكثر في أنحاء العالم مع وجود الشبكة الالكترونية وتصل أكثر إلينا، مما
يجعل هذه الشبكة جزءًا من حياتنا اليومية لا بل في كثير من الأحيان أصبحت المسؤولة عن تذكيرنا بأحداث تاريخية كثيرة. بالأمس، في الخامس من تموز، شارك صديق عبر موقع "الفيسبوك" نشيد الجزائر الوطني، مما كان السبب بتذكيري في ثورة المليون شهيد، يعني صحيح أننا في الطريق لفقدان الذاكرة بسبب كم المعلومات التي تتعرض إليها عقولنا في اليوم، لكن لو تذكر أحدنا حدثا تاريخيا ما بالتأكيد سيقوم بتذكيرنا.. هي الآلية إذًا. 

المهم، النشيد الوطني كتبه الشاعر الجزائري مفدي زكريا داخل سجن بربروس في عهد الاستعمار الفرنسي بدمه بعدما تم تعذيبه من طرف الجلاد الفرنسي في الزنزانة، ولحّن النشيد فيما بعد الموسيقي المصري محمد فوزي هو الاكثر ارتباطا بذكرى انتصار الثورة الجزائرية، وبعد الاستماع إليه على الفور قمت بالبحث عن أغنية "بلادي هي الجزائر" للشاب مامي التي أيضا ترتبط بذاكرتي مع استقلال الجزائر، وهي أغنية كلماتها مكتوبة على لحن لأغنية "شهلة العياني" الشعبية الجزائرية. والذي يقال ان هذا اللحن هو الأصل للحن الأغنية الكوبية " Quizás, Quizás, Quizás ("ربما، ربما، ربما") (1947) للشاعر الكوبي أوسفالدو فارس، ومن ثم تُرجمت الأغنية إلى لغات عديدة، منها الإنجليزية والتي غنتها دُريس داي  Doris Day وسميت بـ Perhaps, Perhaps, Perhaps”" بالإضافة إلى أن الأخوين رحباني قاموا بكتابة كلمات لنفس اللحن لفيروز وهي أغنية "مرفرف الدلال" (1955) أو "تُراه". وعرفها جيل الشباب باللغة العربية من خلال أغنية "بالعكس" لكل من رامي عياش وعبير نعمة  والتي كتب كلماتها نزار فرنسيس وقام بتوزيعها جان ماري رياشي. هذا اللحن يعتبر من أكثر الألحان إنتشارا في العالم، لكن مسألة أصل اللحن غير محسومة تماما، يسرني لو ان من لديه معلومات مؤكدة أن يتواصل معنا.

لكن، على أية حال، للجزائر كان أم لكوبا (وأنا أرجح الكفة للجزائر لأنه أقرب إلى تراثها الموسيقي)، كلا البلدين نبعت منهما ثورات امتدت لسنوات وانتصرت. إلا أن الجزائر اليوم تقع في امتحان الحريات،  فبنفس الوقت الذي يحتفل فيه الجزائريون بالذكرى الخمسين لاستقلال بلدهم، تلاحق الحكومة مجموعة من الشباب الجزائري الناشط في حقوق الإنسان والذي سوف يقدم إلى المحاكمة بتهمة "التجمهر غير المسلح" في أيلول المقبل. هذه المجموعة وكثيرون من حولها احتفلت بالاستقلال بطريقتها الخاصة الرافضة للواقع الذي يعيشه الجزائر اليوم، من خلال صورة نشروها عبر موقع "الفيسبوك"، كتبوا عليها: "50 عاما لعيد الحرية المسروقة".

*هذه التدوينة نُشرت في السادس من تموز/ يوليو في "ملحق الجمعة لصحيفة الإتحاد"، ضمن زاوية "مشاوير". أعيد نشرها عبر مدونتي، ولو متأخراً.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عن "البحر بيضحك ليه؟" ومراحل الحياة..

عكّا، بعدسة: نادر هواري أغنية "البحر بيضحك ليه"، من كلمات الشّاعر نجيب سرور، ألحان وغناء الشّيخ إمام عيسى، هي الأغنية الملائمة لكلّ مراحل الحياة. لا يهم المرحلة إنّ كانت سعيدة أو حزينة، فيها أمل أو خيبة، قلق أو راحة، كلما سمعتها تشعر بأنها تُغنى لك. تحكي معك.. الأغنية لا علاقة لها لمن يعرف البحر أو لا يعرفه، سواء كان البحر قريبًا أو وبعيدًا.. هي قادرة أن تحمل لك مشاهد بصريّة مختلفة كلما سمعتها، تحمل معها وجوهًا عديدة وذكريات.. وكأنك كلما تسمعها تشعر بأن الزّمن توقف. لا يتحرك. كأن حالتك المرافقة لها حين سمعتها قبل 5 أعوام، مع ناس أو من غيرهم، تشبه حالتك حين تعيد سماعها اليوم، لوحدك أو مع آخرين.. والأجمل، بأنك تدرك تمامًا بأن حالتك هي، المرافقة لسماع الأغنية، تمامًا كما الملايين من عشاق الأغنية ذاتها. هي أغنية الطبطبة على الروح.. وحاملة المقولة الوجوديّة الأبديّة: ولسّه جوا القلب أمل.

أحد أطفال "كفرون"؛ يزن أتاسي: "نحنا ما منشبه بعض"

حاورته: رشا حلوة كان ذلك في العام 1990، حين قال له والده: "بدنا نروح مشوار"، لم يخبره إلى أين، "كنت رفيق أبي كتير وأنا وصغير، بروح معه على الشغل، وقالي رايحين مشوار، وبشكل طبيعي ركبنا بالسيارة، وصلنا على مكان قريب من مدرستي وفتنا على بناية، بكتشف بعد ما فتت إننا وصلنا على مكتب دريد لحّام"، يقول الفنان السوري يزن أتاسي في حوار خاص لمجلة "الحياة"، أجريناه عبر السكايب. ويزن أتاسي (1980) هو أيضاً "وسيم"، أحد الأطفال الذين مثلوا أدوار البطولة في فيلم "كفرون" لدريد لحّام، الذي سيتمحور معظم حديثنا عن تجربته فيه، التجربة الشخصية والفنّية لطفل في فيلم سوري، قبل 24 عاماً، كان لها أحد التأثيرات الكبرى على جيل كامل عاش طفولة التسعينيات. " هنالك معرفة بين دريد وأبي"، يقول يزن، "بس أنا انسطلت، لأنه أول مرة بحياتي بشوفه وجهاً لوجه، هني بحكوا وأنا مسحور لأني قاعد قدام غوار الطوشة!". بعدها خرجا من المكان، لا يذكر يزن الحديث الذي دار بين والده ودريد لحّام، ويعتقد أيضاً أنه كان قد قابل أخته نور أتاسي قبله، وهكذا وقع القرا

ريم بنّا.. التهليلة الفلسطينية الباقية

(رشا حلوة ) أذكر أني سمعت الفنانة الفلسطينية ريم بنّا لأول مرةٍ حين كان ربيعي يلامس العشرة أعوام، لا أعلم كيف وصل كاسيت "الحلم" إليّ، أو ربما لا أذكر. كان الوقت صيفًا في عكا، في غرفتي المطلة على البحر. أذكر بأني ناديت على أمي لتشاركني سماع الكاسيت، فسمعنا سويةً "يا ليل ما أطولك" وبكتْ أمي حين أخذتها التهليلة إلى كل الحنين الذي حملته معها منذ أن هُجّر أبوها من قريته الجليلية حتى ساعة انتظار العودة، التي طالت. ترتبط ريم بنّا في روحنا وذائقتنا بالتهليلة الفلسطينية والمورث الشعبي الفلسطيني. فهي أول من أعادت غناء وإحياء التهليلة الفلسطينية واحترفتها حتى يومنا هذا، بما في ذلك ضمن ألبومها الأخير "مواسم البنفسج- أغاني حُب من فلسطين"، والذي يحتوي على تهليلة "أمسى المسا"، المرفوعة إلى اللاجئين الفلسطينيين. بدأت ريم تهتم بالغناء التراثي الفلسطيني حين كانت لا تزال في المدرسة، يوم طُلب منها أن تحفظ أغاني تراثية لمهرجان تراثي في مدرستها، ونصحتها والدتها الشاعرة زهيرة صبّاغ أن تغني التهليلة الفلسطينية التي لم يغنّها أحد بعد. شعرتْ وقتئذٍ أن التهاليل تلائم صوتها