قبل عام تقريباً، في مارس 2010، ذهبت إلى القاهرة للمرة الثانية، لا.. لا.. للمرة الأولى، فقد كانت "الأولى" حين كنت في الحادية عشر من عمري. كنت طفلة عندها، وذاكرتي من تلك الفترة مشوهة.. لا أذكر سوى سعادة والديّ بزيارتهما للقاهرة للمرة الثانية. في مارس 2010، زرت القاهرة في الخامسة والعشرين من عمري، فلتكن هذه هي المرة الأولى.. فأنا أذكر سعادتي بها.
قبل أن أترك بيتي في عكّا، طلبت مني والدتي أمرين؛ الأول أن أزور ضريح عبد الحليم حافظ- هي أول من علّمتني حبّه- والثاني أن أزور ضريح جمال عبد الناصر. حملت معي أمنيات أمي ووصلت بها إلى القاهرة.
في صباح اليوم الثاني، التقيت بأحمد في ميدان التحرير، هذا الميدان الذي سأتذكره كثيراً فيما بعد لأسباب عديدة. أوقفنا تاكسي وطلبنا من سائقه أن يأخذنا إلى ضريح جمال عبد الناصر- كان لديّ شعور بأني أحج إلى هناك، قبل أن أفعل أي شيء في مدينة الإيقاع الجميل. حين طلب أحمد من سائق التاكسي أن يوصلنا إلى ضريح جمال عبد الناصر، كان واضحاً لي أن وجه السائق تغيّر فجأة.. أصبح أكثر راحة. وبالطبع تساءل في نفسه: "شاب وصبية في عمر الورد ينوون زيارة ضريح الناصر؟" وبدأ بالحديث- طوال الطريق المؤدي إلى الضريح- عن "أيام عبد الناصر"، كان سعيداً ومرتاحاً ومشتاقاً إلى "الزمن الجميل".
بعيداً عن المقارنة، يوم 11 فبراير 2011، عندما شاهدنا خطاب التنحي، أول مكالمة حصلت عليها كانت من والدتي- سعادتها ذكّرتني بالقصص التي سمعناها -ونسمعها حتى يومنا هذا- من أهلنا في فلسطين، هذه السعادة التي غاب عليها سنوات عديدة، عن سعادة وفخر ثورة 23 يوليو.
منذ 25 يناير، كنا في مصر هُنا في فلسطين، في القاهرة، في ميدان التحرير.. في تفاصيل حياتنا الصغيرة والكبيرة منها. لم نفعل شيئاً سوى متابعة الأخبار عبر قنوات التلفاز المختلفة، الفيسبوك، التويتر والاتصال مع "الحبايب" في ميدان التحرير.. احترفنا حياة المصريين، إيقاع المصريين، إيقاع مدينة لا تنام ولا تخاف وتحمل لنا-لجميعنا- الغد.
في العام 2010 زرتها مرتين في بحر شهرين.. لماذا لم أبقَ فيها وقتاً أكثر؟ لماذا استعجلت العودة إلى فلسطين؟ لماذا لم يتردد في ذهني النظرية التي أتبناها مؤخراً: "مين بعرف شو بكرا رح بصير معه؟".. لماذا لم أعطيها من وقتي أو أيامي أكثر؟ فرحتي بها، فرحتي بهم، بهِ، بالحبايب.. يوازيه خوفي.. هل سأذهب مرة أخرى؟ منذ 25 يناير، لا مكان أجمل منها.. لا مكان يجتاح كياني مؤخراً سواها. أن تحوّل موقعك الحالي أينما كنت إلى ميدان تحرير آخر، تجلب إليه الشعارات والأغاني وأصوات الثوار من هُناك.. ما هو إلا سبب لأن تعيش أكثر، لتستيقظ في اليوم الثاني وتقنع نفسك بأنك هُناك. وأصواتهم معك. أصوات لا تحملها مقاطع الفيديو في اليوتيوب أو عبر القنوات الإخبارية فقط بل هي أصوات مباشرة.. اتصال مباشر من ميدان التحرير يسمعك فرقة "اسكندريلا".. هي لك، المكالمة لك، وأغنية "بحبك يا مصر"، لا لأحد سواكِ في هذه اللحظة، فهي فقط لكِ.
يعود الشيخ إمام من جديد، يعود "عمي نجم".. ولقائي به.. نحن الذين رضعنا أصواتهم وأغانيهم. كيف تحمل الأغاني معناها الحقيقي من جديد؟ أين كانت كلّ هذه السنين؟ هل عبئتنا لتهيئنا إلى هذا الزمن؟ نبوءة الأغاني!
الثورة المصرية، عاشها عمي نجم.. ياه.. كلّ المقابلات الصحافية معه لن تنقل لنا حقيقة ما يمرّ في ذهنه.. لا.. لا.. حتى قصائده الآتية لن تفسر لنا ما يجول في خاطره. لكن سيبقى لنا التخمين والخيال والفكرة. وسيبقى الشيخ إمام يتأملنا من مكان منا. نجهله نحن، يعرفه هو ويبتسم.
-"هون يا رشا.. هون في مصر الثائرة"..
وأنا هُنا، في فلسطين.. 63 عاماً من النكبة، لم ينجح أحد ولن ينجح بمنع صوت وأغاني العندليب تصل بيوتنا وتبقى لتحمها. ونحن باقون كي "نحلف بسماها وبترابها".. والثورة المصرية جاءت لتحمنا من جديد.
قبل أن أترك بيتي في عكّا، طلبت مني والدتي أمرين؛ الأول أن أزور ضريح عبد الحليم حافظ- هي أول من علّمتني حبّه- والثاني أن أزور ضريح جمال عبد الناصر. حملت معي أمنيات أمي ووصلت بها إلى القاهرة.
في صباح اليوم الثاني، التقيت بأحمد في ميدان التحرير، هذا الميدان الذي سأتذكره كثيراً فيما بعد لأسباب عديدة. أوقفنا تاكسي وطلبنا من سائقه أن يأخذنا إلى ضريح جمال عبد الناصر- كان لديّ شعور بأني أحج إلى هناك، قبل أن أفعل أي شيء في مدينة الإيقاع الجميل. حين طلب أحمد من سائق التاكسي أن يوصلنا إلى ضريح جمال عبد الناصر، كان واضحاً لي أن وجه السائق تغيّر فجأة.. أصبح أكثر راحة. وبالطبع تساءل في نفسه: "شاب وصبية في عمر الورد ينوون زيارة ضريح الناصر؟" وبدأ بالحديث- طوال الطريق المؤدي إلى الضريح- عن "أيام عبد الناصر"، كان سعيداً ومرتاحاً ومشتاقاً إلى "الزمن الجميل".
بعيداً عن المقارنة، يوم 11 فبراير 2011، عندما شاهدنا خطاب التنحي، أول مكالمة حصلت عليها كانت من والدتي- سعادتها ذكّرتني بالقصص التي سمعناها -ونسمعها حتى يومنا هذا- من أهلنا في فلسطين، هذه السعادة التي غاب عليها سنوات عديدة، عن سعادة وفخر ثورة 23 يوليو.
منذ 25 يناير، كنا في مصر هُنا في فلسطين، في القاهرة، في ميدان التحرير.. في تفاصيل حياتنا الصغيرة والكبيرة منها. لم نفعل شيئاً سوى متابعة الأخبار عبر قنوات التلفاز المختلفة، الفيسبوك، التويتر والاتصال مع "الحبايب" في ميدان التحرير.. احترفنا حياة المصريين، إيقاع المصريين، إيقاع مدينة لا تنام ولا تخاف وتحمل لنا-لجميعنا- الغد.
في العام 2010 زرتها مرتين في بحر شهرين.. لماذا لم أبقَ فيها وقتاً أكثر؟ لماذا استعجلت العودة إلى فلسطين؟ لماذا لم يتردد في ذهني النظرية التي أتبناها مؤخراً: "مين بعرف شو بكرا رح بصير معه؟".. لماذا لم أعطيها من وقتي أو أيامي أكثر؟ فرحتي بها، فرحتي بهم، بهِ، بالحبايب.. يوازيه خوفي.. هل سأذهب مرة أخرى؟ منذ 25 يناير، لا مكان أجمل منها.. لا مكان يجتاح كياني مؤخراً سواها. أن تحوّل موقعك الحالي أينما كنت إلى ميدان تحرير آخر، تجلب إليه الشعارات والأغاني وأصوات الثوار من هُناك.. ما هو إلا سبب لأن تعيش أكثر، لتستيقظ في اليوم الثاني وتقنع نفسك بأنك هُناك. وأصواتهم معك. أصوات لا تحملها مقاطع الفيديو في اليوتيوب أو عبر القنوات الإخبارية فقط بل هي أصوات مباشرة.. اتصال مباشر من ميدان التحرير يسمعك فرقة "اسكندريلا".. هي لك، المكالمة لك، وأغنية "بحبك يا مصر"، لا لأحد سواكِ في هذه اللحظة، فهي فقط لكِ.
يعود الشيخ إمام من جديد، يعود "عمي نجم".. ولقائي به.. نحن الذين رضعنا أصواتهم وأغانيهم. كيف تحمل الأغاني معناها الحقيقي من جديد؟ أين كانت كلّ هذه السنين؟ هل عبئتنا لتهيئنا إلى هذا الزمن؟ نبوءة الأغاني!
الثورة المصرية، عاشها عمي نجم.. ياه.. كلّ المقابلات الصحافية معه لن تنقل لنا حقيقة ما يمرّ في ذهنه.. لا.. لا.. حتى قصائده الآتية لن تفسر لنا ما يجول في خاطره. لكن سيبقى لنا التخمين والخيال والفكرة. وسيبقى الشيخ إمام يتأملنا من مكان منا. نجهله نحن، يعرفه هو ويبتسم.
-"هون يا رشا.. هون في مصر الثائرة"..
وأنا هُنا، في فلسطين.. 63 عاماً من النكبة، لم ينجح أحد ولن ينجح بمنع صوت وأغاني العندليب تصل بيوتنا وتبقى لتحمها. ونحن باقون كي "نحلف بسماها وبترابها".. والثورة المصرية جاءت لتحمنا من جديد.
تنوري القاهرة دايما رشا و معاكي الخير كلة من فلسطين
ردحذفeslam mohamed
شكراً يا إسلام..
ردحذفالقاهرة منورة فيكم