by Jacky Gerritsen |
بالأمس، قبل أن أراك، كان سيناريو اللقاء جاهزاً بذاته، هيك لحاله. فأنت تعلم، أن سيناريوهات لقاء من نحبّ، أقوى مننا. تماماً، كما الفكرة عن الموت، أقوى من حقيقته. هذا مع الإدراك التامّ أن السيناريو في 90% منه، لن يتحقق. سيتحقق اللقاء بك فقط، هذا ما وعدت به عندما تحدثنا قبل وصولي.
لم أكن أتوقّع أن أراك عندما أخرج من المرحاض أصلاً. كنت واقفاً، زحماناً كثيراً، ترتدي جاكيتاً أحمر اللون وتي شيرت أزرق. عندما سألتك عن اختيارك للألوان في مدينة رمادية كهذه، كل من فيها يرتدي "الأسود"، أجبتني: "قررت أن أرتدي اللون الأزرق اليوم". قلتها مبتسماً وبلا أسباب "عميقة" أخرى.
بالعودة إلى السيناريو، هذا محور القصّة الأهم.
أردت أن أركض إليك، برجلي التي تؤلمني، أحضنك حضناً قديماً، وأبوح بكل ما يُتعب روحي، تزامناً مع "اليوم العالمي للصحّة النفسية". هيك، نحن نحبّ المناسبات.
أردت أن أخبرك عن أصدقائي المعتقلين لدى النظام المصري، عن صديقتي التي تبكي أحبابها في شمال سوريا منذ أن شنّ أردوغان وعصابته الحرب على أهلها، وأردت أن أخبرك عن وجع قلوب صديقاتي برحيل نادين التي حتى القدر شنّ الحرب عليها وظلمها… كيف نؤمن بعدالة الأقدار؟ أردت أن أسألك.
كنت أريد أن أخبرك عن صديقاتي في فلسطين، اللواتي يحاربن الذكورية والاستعمار بأجسادهن كلّ يوم، عن صديقي من الجزائر الذي التقيته نهاية الأسبوع الماضي، وحدثّني عن شوارعها المشتعلة حتّى اليوم.
أردت أن أواصل حضنك، وأحكي لك بقربٍ جسديّ شديد عن أمينة، السودانية التي تكتب لنا قصص الخرطوم كل أسبوع… وعن العراقي الذي صوّر نفسه يُغني مناشداً "ضمير العالم" الذي يصدّقه حتّى الآن… وعن صديقي من طرابلس، المنفي من بلده وأهله لأنّه يحبّ على مزاجه بصوتٍ عالٍ: "حبيبي هو بيتي"، قال لي في لقائنا الأخير.
أردتُ أن أحكي لك عن الأوجاع الصغيرة المتلازمة التي تأتي من مصائب أكبر، لا شأن لنا بها. حتّى عن تأثير البلاستيك على أمزجة الناس، رغبت أن أعمل عليك "معلمة"... أحضنك، أحكي ولربما أبكي قليلاً.
لكن كل هذا لم يحدث، فعدتُ إلى البيت وحدي، أكتب عن الخوف في زمن خراب الصحّة النفسية، وأكتب القصّة هذه التي لن تقرأها، لأنك لا تقرأ العربية أصلاً.
لكن الأوجاع علّمتنا، كيف نترجمها إلى لغاتٍ أخرى نعرفها. أو حتّى ذلك الحضن المتخيّل، كان كافياً ليحكي الحكايات كلّها.
لكن، ألم أقل لك أن 90% من السيناريوهات لا تتحقق؟
أقصد السيناريوهات السعيدة… فكل هذا الحزن، هو سيناريوهات بشعة تتحقق.
تعليقات
إرسال تعليق