في السّفر، وعندما أنسى أن أحمل كتابًا معي، أفتح شباك محادثتنا القديمة، تلك التي توقفت في زمنٍ ما. أعود إلى البداية، الرسالة الأولى التي رسمت وجه الكون، أقصد عالمنا نحن، ذاك الذي أكل عليه الدهر وشرب. حسنًا، أكل عليه دهرك وشربته، أنا لم أتجرأ أن أمحو المحادثات بكبسة "ديليت". أنتظر أن تحصل مصيبة مع التكنولوجيا، أوك هذا حدث بشريّ كبير، لا مع التكنولوجيا كلّها، إنّما مع هاتفي أنا الوحيد.
المهم يا حبيبي، بالعودة إلى موضوع الكتاب وأرشيف محادثاتنا. أبدأ بقراءتها من سلامك الافتراضيّ الأوّل، أمرّ على المحادثة سطرًا بعد سطر، أعرف أين جلستُ عندما وصلتني رسالة منك تخبرني بأنك متعب. أو المكان الذي كنت أقف فيه وهبطت على السرير من حزني على خبر أن القطار فاتك يومًا ما. صراحة، لم أحزن على وقتك الضائع عندها، عرفت أنك ستفعل شيئًا تحبّه مع ذاك الوقت، تدندن أغنية مثلًا. لكني حزنت بأن انتظاري سيطول.
المهم، أعود إلى الصّور، وتفاصيل أماكن كنتها ولم أكن معك فيها. أحاول أن أقرأ المحادثات من جديد بعيون محايدة. ها؟ هل قلتُ محايدة؟ أسمع صدى أصوات أصدقائي من مصر، يرددون مقولتهم الشهيرة: "محايدة دي تبقى أمك". حدثتّك عن مصر كثيرًا، هل تذكر؟ كانت أم كلثوم مدخلًا للحديث عنها، ترجمت لك مرة مقطع "كنت بشتقالك وإنت هنا/ بيني وبينك خطوتين". ما أهبلك، لم تفهمني.
مع مواصلة القراءة، المرور بالزّمن، تتطور الأحداث، أي محادثتنا، دراميًا؛ أبطال القصة، شخصيات أولى وثانيّة، صراع، حبكة... لكن، لا من نهاية سعيدة كتلك الروايات التي خُزّنت بذاكرة الأطفال من بلادك وبلادي، بلادي التي لا تعرفها، بلادك التي أعرفها من الأغاني فقط. لكن صرنا كبار اليوم، قد الدنيا!، لدرجة أننا لم نتحدث عن الفكرة من وراء أن تجلب أطفالًا إلى هذه الحياة. خسارة، يشغلني الموضوع مؤخرًا، ولن أعرف إجابتك، لا أريد أن أعرف. تخيّل أن يكون ردّك بأنك ترغب بأن تكون أبًا؟ هذا مؤلم. أقصد، بالطبع هذا جميل أن يكون لديك طفلًا، لا تخطئ فهمي كعادتك، لكنه مؤلم، حاول أن تفهمني هذه المرة.
أعتقد بأني خرجت عن الموضوع. لنعود إلى هذا الكتاب، أقصد المحادثات التي أقرأها بالسّفر، حين أنسى أن أحمل كتابًا ما، ككل الرّوايات التي نحبّها: جميلة ببداياتها، وبأبطال حزانى دومًا تنتهي، وبأسئلة لا إجابة عليها، كأن الحزن موتًا صغيرًا.
تعليقات
إرسال تعليق