ليس من السهل أن أقف هنا أمامكم، أو
أن أحكي عنه بضمير الغائب، لكني أسمع صوته الآن، حين كان يطلب مني في طقوس ومناسبات
عديدة: "بابا يا رشا.. اكتبيلك كلمة".. وها أن أقرأ لك يا بابا، أمام كل
الذين يحبونك، كلمة أخيرة.
قبل أيام، قال لنا أحد الأطباء في
المستشفى: "اعرفوا إنه جورج محظوظ، وإنتو كمان، عشان عاش معكو 6 سنين بعد سرطان
البنكرياس".. كانت جملته بالنسبة لنا مفهومة ضمنًا، وفي الوقت نفسه لم نعتبر ليوم
واحد بأن الأمر هو حظ، ببساطة، الأمر هو أنك يا أبي محارب من أجل الحياة ومؤمن بها،
ومنذ معرفتك لمرضك قبل ست سنوات، كنت مقاومًا له.
أول أمس، عندما لم يعد جسدك يتفاعل
معنا، كنا نعرف أنك تسمعنا، أحيانًا كنا نتخاذل ونقول بأنك لم تعد معنا. لكنك دائمًا
وجدت الطرق لتثبت بأنك تسمع أصواتنا؛ بقبضة يدك على يدي وأيدي إخوتي وأمي، وبالأمس،
كل الوقت، من خلال دموع كنت تذرفها. بالنسبة لنا، هذه الدموع كانت الدليل بأن جسدك
هو المتعب فقط.. وقلبك يسمع كل الحبّ من حولك. وحين اطمأن قلبك، داخل جسدك النائم،
قرر أن يرحل بعيدًا.
السماء أمطرت أمس. موج البحر لم يكن
موج أول حزيران الحار. نعلم أن هذا الحزن ليس لنا وحدنا، ونعلم جيدًا أن الحياة التي
أحببتها وعلمتنا حبّها، أنا وإخوتي، لا تنسى أبناءها حين يرحلون. والأبناء يا أبي،
الذين شربوا تعاليم الدنيا منك وحبّ الناس وحبّ البلد، بالحديث وبالصمت، بالقول وبالفعل،
ينتصرون على الموت كل لحظة. فأنتَ الحاضر بالحبّ وبالذكريات تلك التي عشناها معك، وتلك
التي ستعيشها معنا بروحك.
بالأمس، وقبل السادسة مساء بدقائق، فتحت عيونك، وحسبت أمي بأنك تعود للحياة، توقف قلبك، ومن ثم أعدته لتقول لها جملة واحدة: "بحبك شادية". ومن ثم توقف للأبد. أبي، كنت أعتقد بأني عرفت معنى الحبّ، لكن كأنك كنت تقول لي دائمًا: "بعدني رح أعلمك كمان وكمان.. بعدك بتعرفيش كل إشي".. وبالأمس، وبعد المجهود الذي أعطيته لتستيقظ، كي تلخص الحياة بكلمتين وتقولها فقط لأمي، عرفنا، أنا ورلى وإسكندر وإياد، كم نحن بخير.. نحن ثمار الحبّ، الذي شهد ويشهد وسيشهد عليه كل الحاضرين اليوم.. الذين جاؤوا في هذا اليوم ليقولوا لكَ: "سلامٌ يا أبو اسكندر.. سلامٌ على روحك يا نور العين.. سلام يا يابا".
*كلمتي في جنازة والدي جورج سليمان حلوة، يوم الأحد، الأول من حزيران/ يونيو 2014.
من القلب تعازي و أمنيات لكِ يا رفيقة .. سيكون فخوراً بكِ على الدوام .
ردحذف