ميناء عكّا، بعدسة: آليس حنّا |
رشا حلوة
أراني أكتب عن عكّا. لا لأني أذكرها كلما إلتقيت بمدن أو أناس في هذا العالم، بل أراني أكتب عنها اليوم كدعوة لكلّ من يقرأ هذه السطور، خاصة من يحمل ذاك القلق الثقافي والفنّي العربي الفلسطيني في هذه البقعة من الأرض، بأن يصبّ إهتمامه ونشاطه، ولوّ جزءاً منه، إلى مدينة البحر هذه.
الكلّ يعلم ما تمرّ به عكّا من مخطط لتهويدها. نشاطات سياسية وثقافية وإعلامية عديدة تمحورت منذ سنوات في رفع الوعي إزاء ما تعاني منه بيوت عكّا وأهلها، خاصة من يسكن في البلدة القديمة. وكلّ شخص يذهب لزيارة عكّا في هذه الفترة ويلتقي بأهلها، صدفة أم بشكل مقصود، سوف يسمع قصة واحدة على الأقل تجسد معاناة العكّي من التضييق عليه والمحاولات المستمرة لطرده من بيته، هذه المساحة الأكثر أماناً له منذ أن وُلد وحتى يومنا هذا.
في لقاء قبل يومين مع صديقتي ريم حزان، وفي "بيت مها" تحديداً، كنا نتحدث عن أمور شتى، منها هذا الحبّ المعتّق لمدينتنا.. وهذا الإرتباط الموروث بها. بالرغم مما تحمله لنا الحياة من سفر وابتعاد عنها، إلا أنها ستبقى "البيت" دوماً. وسيبقى هاجس العكّي والعكّية أينما رحلوا أن يعودوا إليها، ليس بشرط أن يقيم فيها مشروع ما أو نشاط ما، بل ببساطة إيجاد بيت له يستطيع أن يمارس مع المدينة معظم تفاصيل حياته اليومية، حتى أقلها وقتاً كالنوم مثلاً.
منذ سنوات عديدة، تلك التي لم أعشها ولا أذكرها، لكن نُقلت إليّ تفاصيلها من والدي العكّي ووالدتي الإقرثية وإبنة قرية الرامة، كانت عكّا هي المركز دوماً. كانت مركزيتها السياسية والتربوية والثقافية تُجلب إليها الوفود من القرى التي تحيطها. وبرغم التساؤلات التي لا تكف عن ملاحقتنا بالأسباب التي حولتها من المركز إلى الهامش، إلى مثابة "مقبرة" يخيفنا صمتها أحياناً، يبقى سؤال اليوم الذي أسأله لنفسي قبل أن أوجهه لأي شخص: لماذا لا نعيد إلى عكّا حياتها وحيويتها؟
أعلم أن معظم شباب المدينة مضطر لأن يعيش بعيداً عنها، وذلك بسبب إنعدام فرص العمل ومؤسسات التعليم العالي، وهذا أمر مشروع، لكن ما صلة هذا بأن لا تقام فيها وبإستمرار أمسيات ثقافية وفنّية؟ المسرح موجود، والشارع كذلك وأهميته في هذه المرحلة فوق كلّ شيء، لماذا لا تعمل مؤسسات المجتمع المدني والأحزاب السياسية والمؤسسات الثقافية على أن تقيم فعالية واحدة فقط من فعالياتها في عكّا وتحضر إليها الجمهور من حيفا والناصرة والأماكن المختلفة؟ أمسية واحدة على الأقل لكلّ مؤسسة، تكفي لأن يكون العام كلّه احتفالياً بهذه المدينة وأن لا تقتصر النشاطات فقط على مرة واحدة في السنة.
أعلم بأن نبرة العتب تتفوق على نصي هذا، هو عتب لذاتي أولاً، وثانياً هو دعوة من القلب. لربما ليس بمقدورنا أن نستثمر كلنا في شراء بيوت في عكّا وإنقاذ هذه المدينة من المخطط المدمر لها لبيعها- عكّا مش للبيع-، لكني على يقين بأن إنقاذها هو أمر بمقدورنا جميعاً المساهمة فيه. هو امتداد لمحاربتنا وحفاظنا منذ النكبة على هويتنا الثقافية والوطنية، وهذه المعركة لم تنتهِ بعد، تعالوا إلى عكّا.. غنّوا فيها.. هي بيتنا العتيق الجميل، فلنحميه.
تعليقات
إرسال تعليق