التخطي إلى المحتوى الرئيسي

كان للبرتغال رحلة هُنا..


(رشا حلوة)


اختتمتْ يوم السبت الماضي في مركز محمود درويش الثقافي في الناصرة رحلة موسيقى الفادو التي وصلت من البرتغال إلى حيفا والناصرة، فشاركت في الرحلة الفرقة البرتغالية المكونة من كلاوديا بيكادو- غناء فادو، جوسيه مانويل دوراتي- جيتار برتغالي وبرونو كوستا- جيتار كلاسيكي.على مدار 40 دقيقة، نجحت الفرقة البرتغالية في أن تنقل إلينا كلّ ما حملته موسيقى "الفادو" من قصص، وجوه وتاريخ البرتغال العتيق.. هذه القصص التي بدأت منذ عام 1820 والتزمت للحنين، للفراق وللحزن، لنساء ودعنَ أزواجهن وعشاقهن على شاطئ البحر. إلا أن الفادو بحلته الراهنة اليوم، وبالتجديد الذي مرّ عليه من قبل مغنيات ومغنّي الفادو في هذا العصر، يحمل في طياته أيضًا حالات وجودية أخرى؛ الحب، السعادة، الأمل واللقاء المُجدد.


هذا ما قدمته لنا كلاوديا بيكادو وفرقتها في حيفا والناصرة الأسبوع الماضي، أغاني باللغة البرتغالية، وهي لغة غريبة نسبيًا عن الجمهور الفلسطيني، إلا أنه استطاع أن يتواصل مع الموسيقى ومع النبرة التي حملها صوت كلاوديا وآلتا الجيتار؛ البرتغالي والكلاسيكي.. لربما أن هذا الانسجام ما بين الجمهور والفرقة هو شعور باطني يثبت التشابه ما بين موسيقى الفادو والموسيقى العربية، إذ يروي العلماء بأن موسيقى الفادو متأثرة من الموسيقى العربية بالإضافة إلى تأثرها بتيارات موسيقية عديدة.


جمعية بيت الموسيقى في شفاعمرو تواصل تجربة راكمت 10 سنوات من العمل على الحوار الموسيقي ما بين ثقافات العالم المختلفة. فمنذ عام 1999 وهي تستضيف سنويًا فرقًا وموسيقيين عالميين في البلاد بهدف كشف الجمهور الفلسطيني في الداخل على الحضارات الموسيقية الأممية من جهة، ومن جهة أخرى كشف العالم أيضًا على الموسيقى العربية.. هذا العام كان اللقاء ما بين موسيقى الفادو والموسيقى العربية، وقد تجسدت هذه العلاقة بعمل مكثف لمدة 4 أيام ما بين الفرقة البرتغالية، خلال مكوثها في البلاد، ومجموعة من الموسيقيين الفلسطينيين؛ سناء موسى- غناء، يوسف حبيش- إيقاعات، عامر نخلة- بزق وإيهاب نمر- عود وكمان. وقد كانت نتيجة هذه اللقاءات دمجا موسيقيا وغنائيا ما بين الفرقتين أثمر عن حوار ما بين روح الموسيقى الشرقية وموسيقى الفادو البرتغالية من خلال آلات مختلفة: إيقاعات، عود، بزق، جيتار برتغالي وجيتار كلاسكي وتجمّل هذا الحوار بصوت كلاوديا بيكادو وصوت سناء موسى.


بعد الرحلة البرتغالية التي دامت 40 دقيقة، انضمت المجموعة الفلسطينية، فقدمت المجموعتان باقة من الأغاني العربية؛ "يا حبيبي تعال"، "يا لور حٌبك" و"شو في خلف البحر؟" للفنانة الراحلة سلوى قطريب، والتي كانت مفاجأة هذا الكونسيرت.. حيث احتوت هذه المفاجأة على دمج ما بين أغنيتين؛ الأولى بعنوان "غيابُك" باللغة البرتغالية من كلمات وألحان كلاوديا بيكادو، والتي كانت كتبتها لوالدها الذي رحل قبل 11 عامًا، والذي كان المشجع الأول لها على خوض تجربة غناء الفادو. ومن ثم أغنية "شو في خلف البحر" والتي قدمتها سناء موسى بصوتها المميز والذي أعطى الأغنية روحًا خاصة التساؤل عّما وراء البحر من أخبار وقصص!لا شك بأن الدمج اللافت والناجح بين الأغنيتين البرتغالية "غيابك" و "شو في خلف البحر.." ينبع من اختيار صحيح للترابط الموسيقي ما بينهما، وأيضًا من العلاقة المخفية ما بين كلمات الأغنيتين.. فتقول كلمات أغنية "غيابُك":غيابُك أبييعاني ويحترقبوضوحفي حياتي..وحرارتكحازت مع الوقتعلى عذوبة الوجودالتي انتقلت من أب لابنته//الآن عرفت، بأن رغبتي الأولى هي أن أعيشوأنا أعانقها حتى يأتي الموت..بالإضافة إلى الناحية الموسيقية والتوزيعية، نجح كلّ من يوسف حبيش وعامر نخلة (اللذان أشرفا على التوزيعات الموسيقية) في ربط موسيقى كلا الأغنيتين بطريقة يصعب للمستمع أن يلاحظ النقلة فيما بينهما. وقد كانت الاختيار النجاح لاختتام الأمسية الموسيقية.


هذا اللقاء ما بين موسيقيين برتغاليين وفلسطينيين في هذا العام، ولقاءات الثقافات الموسيقية المختلفة التي تعمل عليها جمعية بيت الموسيقى منذ 10 سنوات، له دوران مهمان؛ الأول هو كشف الجمهور الفلسطيني في الداخل على تجارب موسيقية في العالم، تجارب مهمشة إعلاميًا في ظل احتكار الموسيقى الاستهلاكية للفضائيات والإذاعات، ويصعب الوصول إليها بدون جهد المتلقي الخاص، وهنا يكمن دور إعلامنا بالأساس في توعية الجمهور بكلّ ما يخص التجارب الموسيقية الجادة بكافة تياراتها، وما يحدث هو إعطاء منصة إضافية لموسيقى استهلاكية متوفرة في كلّ مكان.أما الدور الثاني، والذي لا يقل أهمية، فهو كشف الموسيقيين العالميين على الموسيقى العربية، على الحركة الفنية الموسيقية في الداخل وبناء علاقات موسيقية مع الموسيقيين الفلسطينيين..هذا الانكشاف سيحمله كلّ واحد منهم إلى بلده البعيد، ويحكي عنه للناس هناك.. أن في هذا المكان فنّا وموسيقى لا يستهان بهما، وموسيقى تُصنع اليوم، ذات جودة، تقارن بتجارب موسيقية تاريخية وعالمية، امتدادًا لما شكلته الموسيقى العربية والشرقية في تاريخ الموسيقى العالمية. هذه الموسيقى قادرة أن تستوعب موسيقى من ثقافات العالم وتحتضنها ليشكل هذا الاحتضان مزيجًا لحالة إنسانية مهمشة أيضًا، لربما عن قصد!

تعليقات

  1. جميل

    خسارة انني لم اسمع عن هذا الحفل

    الفادو الكلاسيكي يقارب البلوز في مواضيعه خاصة حول الحنين الى الوطن ومرارة الغياب كما يتقاطع مع الفلامنكو التقليدي

    اتمنى ان تكثر مثل هذه الحفلات - مثل مهرجان القدس السنوي الذي تنظمه مؤسسة يبوس

    ردحذف
  2. خسارة يا زفت..
    وما قلته صحيحًا حول موسيقى الفادو، كونها متأثرة بتيارات موسيقية عديدة أيضًا..
    شكرًا لك على تعليقك
    على أمل أن تزيد مثل هذه الحفلات.
    كون بخير

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أحد أطفال "كفرون"؛ يزن أتاسي: "نحنا ما منشبه بعض"

حاورته: رشا حلوة كان ذلك في العام 1990، حين قال له والده: "بدنا نروح مشوار"، لم يخبره إلى أين، "كنت رفيق أبي كتير وأنا وصغير، بروح معه على الشغل، وقالي رايحين مشوار، وبشكل طبيعي ركبنا بالسيارة، وصلنا على مكان قريب من مدرستي وفتنا على بناية، بكتشف بعد ما فتت إننا وصلنا على مكتب دريد لحّام"، يقول الفنان السوري يزن أتاسي في حوار خاص لمجلة "الحياة"، أجريناه عبر السكايب. ويزن أتاسي (1980) هو أيضاً "وسيم"، أحد الأطفال الذين مثلوا أدوار البطولة في فيلم "كفرون" لدريد لحّام، الذي سيتمحور معظم حديثنا عن تجربته فيه، التجربة الشخصية والفنّية لطفل في فيلم سوري، قبل 24 عاماً، كان لها أحد التأثيرات الكبرى على جيل كامل عاش طفولة التسعينيات. " هنالك معرفة بين دريد وأبي"، يقول يزن، "بس أنا انسطلت، لأنه أول مرة بحياتي بشوفه وجهاً لوجه، هني بحكوا وأنا مسحور لأني قاعد قدام غوار الطوشة!". بعدها خرجا من المكان، لا يذكر يزن الحديث الذي دار بين والده ودريد لحّام، ويعتقد أيضاً أنه كان قد قابل أخته نور أتاسي قبله، وهكذا وقع القرا

عن "البحر بيضحك ليه؟" ومراحل الحياة..

عكّا، بعدسة: نادر هواري أغنية "البحر بيضحك ليه"، من كلمات الشّاعر نجيب سرور، ألحان وغناء الشّيخ إمام عيسى، هي الأغنية الملائمة لكلّ مراحل الحياة. لا يهم المرحلة إنّ كانت سعيدة أو حزينة، فيها أمل أو خيبة، قلق أو راحة، كلما سمعتها تشعر بأنها تُغنى لك. تحكي معك.. الأغنية لا علاقة لها لمن يعرف البحر أو لا يعرفه، سواء كان البحر قريبًا أو وبعيدًا.. هي قادرة أن تحمل لك مشاهد بصريّة مختلفة كلما سمعتها، تحمل معها وجوهًا عديدة وذكريات.. وكأنك كلما تسمعها تشعر بأن الزّمن توقف. لا يتحرك. كأن حالتك المرافقة لها حين سمعتها قبل 5 أعوام، مع ناس أو من غيرهم، تشبه حالتك حين تعيد سماعها اليوم، لوحدك أو مع آخرين.. والأجمل، بأنك تدرك تمامًا بأن حالتك هي، المرافقة لسماع الأغنية، تمامًا كما الملايين من عشاق الأغنية ذاتها. هي أغنية الطبطبة على الروح.. وحاملة المقولة الوجوديّة الأبديّة: ولسّه جوا القلب أمل.

اللهجات الفلسطينية

عندي سؤال مهم - أو حسب رأيي مهم - مين المسؤول عن ترسيخ فكرة إنه في فلسطين في بس لهجة عامية وحدة؟ وإنه نسي يقول بأنه لكلّ مدينة وقرية فلسطينية في لهجة إلها خاصة فيها؟ وإنه لما حدا من شفاعمرو بقول كلمة واحدة منعرف كلنا إنه من شفاعمرو؟ مما يدل على خصوصية لهجة أحل شفاعمرو يعني :) يعني مثلاً، مثلاً، لكلمة "رصاصات"- رصاصات القلم يعني - في عَ الأقل 4 مفردات باللهجة الفلسطينية؛ فُطع، زبانات، بريات، قُزع. (شكراً أسماء عزايزة عَ المساعدة  :) ). عشان هيك، ملاحظات أخيرة عن الموضوع: - لما أي حدا بقرأ نص/ قصة قصيرة/ رواية لكاتب/ة فلسطيني/ ة فيه كلمات/ جمل بالعامية، يعرف الكاتب/ ة من وين عشان يعرف من أي بلد هاللهجة. - يا ريت اللي بدو يعمل مسلسل عن فلسطين والقضية الفلسطينية يعمل دراسة عن اللهجات وينوّع. فلسطين ليست فقط الأراضي المحتلة عام 1967. - يلعن سايكس بيكو والاستعمار وسنينه كلّها. - عيب إنه الفلسطيني ما يعرف إنه في تنوّع لهجات. وإنه اللي خلقان في شمال فلسطين المحتلة، ويبتعد 15 كم عن جنوب لبنان، أكيد لهجته رح تكون قريبة من لهجة جنوب لبنان أكثر من جنوب فلسطين. - لن ننس