پاريس لا تهمني، بقدر ما يهمني أن أمشي في شوارع حيّ بلڤيل وأبحث عن الزوايا التي شربت إيديت بياف فيها زجاجة نبيذ أحمر وغنّت. أمستردام لا تهمني بقدر ما أشتاق للمرأة الغجريّة التي عزفت على الأكورديون عند أحد جسور المدينة، وحدثتني عن والدها الذي مات من السرطان. طنجة لا تهمني بقدر ما أحبّ أن أمشي خطوات ذكريات محمد شكري في "الخبز الحافي" وأشرب شاي ونعنع في مقهى الحافة. عمّان لا تهمني بقدر اللحظة التي لم تعجبني قهوة عمّان وأوقعتني المدينة سرًا في حبّها. القاهرة لا تهمني بقدر سعادة أمّي حين سمعتني أتحدث بمصريّتي المكسرة وشعرت بأنها عادت إلى أغنية من السبعينات. الإسكندريّة لا تهمني بقدر شوقي لكأس بيرة في بار الشيخ علي، أو لليلة التي حدثّت صديقة فيها عن حلمي بتأسيس خطوط قوارب من هناك إلى عكّا. بيروت لا تهمني بقدر ما أتحمّس لشجار مع صديقة حول كيف يجب أن تكون التبولة، مع بندورة أم بدون؟ رام الله لا تهمني بقدر ما أحنّ إلى ليالي 2011. برلين لا تهمني بقدر ما أشعر حين أجلس معه فيها، بأني في الشّام. وعكّا لا تهمني، مثلما كانت، عند كل مرة عدتُ إليها فيها، وكان والدي يستقبلني هناك.